أي أول الإرسال إليه باقرأ.
أقول: في المواهب «أنه روي أن جبريل عليه الصلاة والسلام بدا له صلى الله عليه وسلم في أحسن صورة وأطيب رائحة، …
فقال له: يا محمد إن الله تعالى يقرئك السلام، ويقول لك: أنت رسول الله إلى الجن والإنس فادعهم إلى قول: لا إله إلا الله، ثم ضرب برجله الأرض فنبعت عين ماء، فتوضأ منها جبريل، ثم أمره أن يتوضأ، وقام جبريل يصلي، وأمره أن يصلي معه، فعلمه الوضوء والصلاة» الحديث.
وقوله «فعلمه الوضوء» يحتمل أن يكون بفعله المذكور. ويحتمل أن يكون علمه بقوله افعل كذا في وضوئك وصلاتك، ويدل للأول ما سيأتي.
وفيه أن قول جبريل المذكور إنما كان عند أمره بإظهار الدعوة والمفاجأة بها إلى الله تعالى بعد فترة الوحي كما سيأتي، فالجمع بينه وبين قوله ثم ضرب برجله الأرض إلى آخره لا يحسن، لأنه سيأتي أن ذلك كان في يوم نزوله له {ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ} [العلق:1] ولعله من تصرف بعض الرواة، والله أعلم.
فعن ابن إسحق: حدثني بعض أهل العلم «أن الصلاة حين افترضت على النبي صلى الله عليه وسلم: أي قبل الإسراء أتاه جبريل وهو بأعلى مكة فهمز له بعقبه في ناحية الوادي، فانفجرت منه عين فتوضأ جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ليريه كيف الطهور- أي الوضوء للصلاة- أي فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ومسح برأسه وغسل رجليه إلى الكعبين» كما في بعض الروايات أي وفي رواية «فغسل كفيه ثلاثا، ثم تمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه، ثم غسل يديه إلى المرفقين، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجليه ثلاثا ثلاثا، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ مثل وضوئه» .
أقول: وبهذه الرواية، يردّ قول بعضهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم زاد في الوضوء التسمية وغسل الكفين والمضمضة والاستنشاق ومسح جميع الرأس والتخليل ومسح الأذنين والتثليث، إلا أن يقال مراد هذا البعض أن ما ذكر زاده على ما في الآية. وفي كلام بعضهم: كانت العرب في الجاهلية يغتسلون من الجنابة، ويداومون على المضمضة والاستنشاق والسواك، والله أعلم.
ثم قام جبريل فصلى به صلى الله عليه وسلم ركعتين يحتمل أن تلك الصلاة كانت بالغداة قبل طلوع الشمس. ويحتمل أنها كانت بالعشي: أي قبل غروب الشمس. وفي الإمتاع وإنما كانت الصلاة قبل الإسراء صلاة بالعشيّ: أي قبل غروب الشمس، ثم صارت صلاة بالغداة، وصلاة بالعشي ركعتين: أي ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي.
والعشي: هو العصر.
ففي كلام بعض أهل اللغة: العصر العشاء، والعصران الغداة والعشي، وكانت صلاته صلى الله عليه وسلم نحو الكعبة، واستقبل الحجر الأسود: أي جعل الحجر الأسود قبالته وهذا يدل على أنه لم يستقبل في تلك الصلاة بيت المقدس، لأنه لا يكون مستقبلا لبيت المقدس إلا إذا صلى بين الركنين الأسود واليماني كما كان يفعل بعد فرض الصلوات الخمس وهو بمكة، كما سيأتي «أنه كان يصلي بين الركنين الركن اليماني والحجر الأسود، ويجعل الكعبة بينه وبين الشام» أي بينه وبين بيت المقدس: أي صخرته، إلا أن يقال يجوز أن يكون عند صلاته إلى الكعبة كان بينهما إلا أنه كان إلى الحجر الأسود أقرب منه إلى اليماني، فقيل استقبل الحجر الأسود فلا مخالفة، لكن سيأتي ما قد يفيد أنه لم يستقبل بيت المقدس إلا في الصلوات الخمس: أي بعد الإسراء وقبل ذلك كان يستقبل الكعبة إلى أي جهة من جهاتها «ولما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاة جبريل، قال جبريل: هكذا الصلاة يا محمد، ثم انصرف جبريل، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة وأخبرها، فغشي عليها من الفرح، فتوضأ لها ليريها كيف الطهور للصلاة كما أراه جبريل فتوضأت كما توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صلى به جبريل عليه الصلاة والسلام» .
وفي سيرة الحافظ الدمياطي ما يفيد أن ذلك كان في يوم نزول جبريل عليه الصلاة والسلام له ب {ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] حيث قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين وصلى فيه، وصلت خديجة آخر يوم الاثنين، ويوافقه ظاهر ما جاء «أتاني جبريل في أول ما أوحي إليّ فعلمني الوضوء والصلاة، فلما فرغ الوضوء أخذ غرفة من الماء فنضح بها فرجه «أي رش بها فرجه أي محل الفرج من الإنسان، بناء على أنه لا فرج له، وكون الملك لا فرج له لو تصور بصورة الإنسان استدل عليه بأنه ليس ذكرا ولا أنثى، وفيه نظر، لأنه يجوز أن يكون له آلة ليست كآلة الذكر ولا كآلة الأنثى كما قيل بذلك في الخنثى ويقال لذلك فرج.
وبعض شراح الحديث حمل الفرج على ما يقابل الفرج من الإزار، وبذلك استدل أئمتنا على أنه يستحب لمن استنجى بالماء أن يأخذ بعد الاستنجاء كفا من ماء ويرش في ثيابه التي تحاذي فرجه، حتى إذا خيل له أن شيئا خرج ووجد بللا قدّر أنه من ذلك الماء، ولعل هذا هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: «علمني جبريل الوضوء، وأمرني أن أنضح تحت ثوبي مما يخرج من البول بعد الوضوء» أي دفعا لتوهم خروج شيء من البول بعد الوضوء لو وجد بلل بالمحل.
وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما «كان ينضح سراويله حتى يبلها» وما جاء «أنه لما أقرأه {ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] ، قال له جبريل: انزل عن الجبل، فنزل معه إلى قرار الأرض قال: فأجلسني على درنوك. بالدال المهملة والراء والنون: أي وهو نوع من البسط ذو خمل- ثم ضرب برجله الأرض فنبعت عين ماء، فتوضأ منها جبريل» الحديث فمشروعية الوضوء كانت مشروعية الصلاة التي هي غير الخمس، وإن ذلك كان في يوم نزول جبريل باقرأ، وهو مخالف لقول ابن حزم: لم يشرع الوضوء إلا بالمدينة.
ومما يرد ما قاله ابن حزم نقل ابن عبد البر اتفاق أهل السير على أنه لم يصل صلى الله عليه وسلم قط إلا بوضوء، قال: وهذا مما لا يجهله عالم، هذا كلامه، إلا أن يقال مراد ابن حزم أنه لم يشرع وجوبا إلا في المدينة، وهو الموافق لقول بعض المالكية إنه كان قبل الهجرة مندوبا: أي وإنما وجب بالمدينة بآية المائدة {يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلٰوةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: 6] الآية.
ويرده ما في الإتقان أن هذه الآية مما تأخر نزوله عن حكمه يعني قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلٰوةِ فٱغْسِلُواْ} [المائدة:6] إلى قوله: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة:6] فالآية مدنية إجماعا، وفرض الوضوء كان بمكة مع فرض الصلاة: أي فالوضوء على هذا مكي بالفرض، مدني بالتلاوة.
قال: والحكمة في ذلك: أي في نزول الآية بعد تقدم العمل لما يدل عليه أن تكون قرآنيته متلوة هذا كلامه.
وقوله مع فرض الصلاة، يحتمل أن المراد صلاة الركعتين بناء على أنهما كانتا واجبتين عليه صلى الله عليه وسلم، وهو الموافق لما تقدم عن ابن إسحق. ويحتمل أن المراد الصلاة الخمس: أي ليلة الإسراء، وهو الموافق لما اقتصر عليه شيخنا الشمس الرملي حيث قال: وكان فرضه مع فرض الصلاة قبل الهجرة بسنة، هذا كلامه. وحينئذ يكون قبل ذلك مندوبا حتى في صلاة الليل.
وقول صاحب المواهب: ما ذكر من أن جبريل عليه الصلاة والسلام علمه الوضوء وأمره به يدل على أن فرضية الوضوء كانت قبل الإسراء فيه نظر ظاهر، إذ لا دلالة في ذلك على الفرضية، إذ يحتمل أن يكون اللفظ الصادر من جبريل له أمرتك أن تفعل كفعلي وصيغة أمره مشتركة بين الوجوب والندب.
وذكر بعضهم أن الغرض من نزول آية المائدة بيان أن من لم يقدر على الوضوء والغسل لمرض أو لعدم الماء يباح له التيمم: أي ففرضية الوضوء والغسل سابقة على نزولها ويؤيد ذلك قول عائشة رضي الله تعالى عنها في الآية: فأنزل الله تعالى آية التيمم، ولم تقل آية الوضوء وهي هي، لأن الوضوء كان مفروضا قبل أن توجد تلك الآية، ويوافقه ما ذكره ابن عبد البر من اتفاق أهل السير على أن الغسل من الجنابة فرض عليه صلى الله عليه وسلم وهو بمكة.
وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ما يقتضي أن فرض الغسل كان مع فرض الصلوات ليلة الإسراء. فقد جاء عنه «كانت الصلاة خمسين، والغسل من الجنابة سبع مرات، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جعل الصلاة خمسا والغسل من الجنابة مرة» . قال بعض فقهائنا: رواه أبو داود ولم يضعفه، وهو إما صحيح أو حسن، قال ذلك البعض. ويجوز أن يكون المراد بها: أي الغرض من نزولها فرض غسل الرجلين في قراءة من قرأ «وأرجلكم بالنصب» فإن حديث جبريل ليس فيه إلا مسحهما: أي وهو أن جبريل أول ما جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي توضأ فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ومسح رأسه ورجليه إلى الكعبين وسجد سجدتين: أي ركع ركعتين مواجهة البيت، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم كما يرى جبريل يفعله، هذا كلامه، وفيه نظر، لأن أكثر الروايات «وغسل رجليه» كما تقدم فرجليه في هذه الرواية معطوفة على وجهه كما أن أرجلكم في الآية على قراءة الجر معطوفة على الوجوه، وإنما جرّ للمجاورة وإن كان الجر للمجاورة في غير النعت قليلا، أو عبر عن الغسل الخفيف بالمسح.
وفي كلام الشيخ محيي الدين مسح الرجلين في الوضوء بظاهر الكتاب، وغسلهما بالسنة المبينة للكتاب. قال: ويحتمل العدول عن الظاهر بناء على أن المسح فيه يقال للغسل، فيكون من الألفاظ المترادفة، وفتح أرجلكم لا يخرجها عن الممسوح، فإن هذه الواو قد تكون واو المعية.
وجاء «أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة» أي عملا بظاهر قوله تعالى:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلٰوةِ} [المائدة: 6] الآية فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات الخمس بوضوء واحد فقال له سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه: فعلت شيئا لم تكن تفعله، فقال «عمدا فعلته يا عمر» أي للإشارة إلى جواز الاقتصار على وضوء واحد للصلوات الخمس، وجواز ذلك ظاهر في نسخ وجوب الوضوء عليه لكل صلاة، ويوافقه قول بعضهم: قيل كان ذلك الوضوء لكل صلاة واجبا عليه ثم نسخ، هذا كلامه: أي ويؤيد ذلك ظاهر ما جاء أنه أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر، فلما شق ذلك عليه صلى الله عليه وسلم وضع عنه الوضوء إلا من حدث، أي ويكون وقت المشقة يوم فتح مكة، لما علمت أنه لم يترك الوضوء لكل صلاة إلا حينئذ. وهذا السياق يدل على أن وجوب الوضوء لكل صلاة كان من خصوصياته صلى الله عليه وسلم.
ويدل لذلك ما روي عن أنس رضي الله تعالى عنه «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، قيل لهم كيف تصنعون: أي هل كنتم تفعلون كفعله صلى الله عليه وسلم قال: يجزي أحدنا الوضوء ما لم يحدث» أي فوجوب الوضوء لكل صلاة كان من خصوصياته صلى الله عليه وسلم ثم نسخ.
وذكر فقهاؤنا أن الغسل كان واجبا عليه صلى الله عليه وسلم لكل صلاة فنسخ بالنسبة للحدث الأصغر تخفيفا، فصار الوضوء بدلا عنه، ثم نسخ الوضوء لكل صلاة فظاهر سياقهم يقتضي أن وجوب الغسل ثم الوضوء لكل صلاة كان عاما في حقه صلى الله عليه وسلم وحق أمته.
ويحتاج إلى بيان وقت نسخ وجوب الغسل في حقه صلى الله عليه وسلم وحق أمته وبيان وقت نسخ وجوب الوضوء، لكل صلاة في حق الأمة، ومنه يعلم أن نسخ وجوب الوضوء لكل صلاة يكون بالنسبة للأمة ثم بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم. وحينئذ لا يشكل قول فقهائنا الآية تقتضي وجوب الطهر بالماء أو التراب لك صلاة، خرج الوضوء بالسنة، أي بما تقدم من فعله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، وبتجويزه صلى الله عليه وسلم للأمة أن يصلي الواحد منهم الصلوات بوضوء واحد، وبقي التيمم على مقتضى الآية، فقد وقع النسخ أوّلا بالنسبة للأمة، ثم ثانيا بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم، ولعل وجوب الغسل لكل صلاة كان بوحي غير قرآن أو باجتهاد.
ولا يخفى أن كون ظاهر الآية يقتضي وجوب الوضوء والتيمم لكل صلاة إنما هو بقطع النظر عما نقله إمامنا رضي الله تعالى عنه عن زيد بن أسلم أن الآية فيها تقديم وحذف، وأن التقدير إذا قمتم إلى الصلاة من النوم {أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ} [المائدة: 6، والنساء: 43] {فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] الآية، والله أعلم.
وعن مقاتل بن سليمان فرض الله تعالى في أول الإسلام الصلاة ركعتين بالغداة أي قبل طلوع الشمس وركعتين بالعشيّ أي قبل غروب الشمس.
أقول: إن كان المراد بأول الإسلام نزول جبريل عليه باقرأ يردّ ما تقدم عن الإمتاع أن أول ما وجب ركعتان بالعشيّ ثم صارت صلاة بالغداة وصلاة بالعشي ركعتين إلا أن يراد الأولية الإضافية.
وفي بعض الأحاديث ما يدل على أن وجوب الركعتين كان خاصا به صلى الله عليه وسلم دون أمته.
منها قوله صلى الله عليه وسلم: «أول ما افترض الله على أمتي الصلوات الخمس» ، وفيه أنه افترض عليها قبل ذلك صلاة الليل ثم نسخ بالصلوات الخمس.
وفي الإمتاع «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى الكعبة أول النهار فيصلي صلاة الضحى، وكانت صلاة لا تنكرها قريش، وكان صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا جاء وقت العصر تفرقوا في الشعاب فرادى ومثنى: أي فيصلون صلاة العشي، وكانوا يصلون الضحى والعصر، ثم نزلت الصلوات الخمس» هذا كلامه. وهو يفيد أن الركعتين الأوليين كان يصليهما وقت الضحى لا قبل الشمس فليتأمل والله أعلم، ثم فرضت الخمس ليلة المعراج.
وذهب جمع إلى أنه لم يكن قبل الإسراء صلاة مفروضة: أي لا عليه ولا على أمته إلا ما وقع الأمر به من صلاة الليل من غير تحديد: أي بقوله تعالى: {فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ } [المزمّل: 20] أي صلوا.
أقول: وهو الناسخ لما وجب قبل ذلك من التحديد في أول السورة الحاصل بقوله: {قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً} * {نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً} {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ}[المزمل: 2- 4] وقد نسخ قيام الليل بالصلوات الخمس ليلة الإسراء، ولم يذكر أئمتنا وجوب صلاة الركعتين عليه صلى الله عليه وسلم، بل قالوا: أول ما فرض عليه الإنذار والدعاء إلى التوحيد، ثم فرض عليه قيام الليل المذكور في أول سورة المزمل، ثم نسخ بما في آخرها، ثم نسخ بالصلوات الخمس، وهو مخالف لما تقدم عن ابن إسحق من وجوب صلاة الركعتين عليه، ويوافقه قول ابن كثير في قولهم ماتت خديجة قبل أن تفرض الصلوات: مرادهم قبل أن تفرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء.
قال بعضهم: وإنما قال ذلك، لأن أصل الصلاة قد فرض في حياة خديجة الركعتين بالغداة والركعتين بالعشي.
وفي كلام ابن حجر الهيتمي: لم يكلف الناس إلا بالتوحيد فقط، ثم استمر على ذلك مدة مديدة، ثم فرض عليهم من الصلاة ما ذكر في سورة المزمل، ثم نسخ ذلك كله بالصلوات الخمس، ثم لم تكثر الفرائض وتتتابع إلا بالمدينة، ولما ظهر الإسلام وتمكن في القلوب، وكان كلما زاد ظهورا وتمكن ازدادت الفرائض وتتابعت هذا كلامه.
ولم أقف على ما كان يقرأ في صلاة الركعتين قبل فترة الوحي وبعدها وقبل نزول الفاتحة، بناء على تأخر نزولها عن ذلك كما هو الراجح، ثم رأيته في الإتقان ذكر أن جبريل حين حولت القبلة أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الفاتحة ركن في الصلاة كما كانت بمكة، هذا كلامه. وينبغي حمله على الصلوات الخمس، وحينئذ يكون ما تقدم من قول بعضهم لم يحفظ أنه كان في الإسلام صلاة بغير الفاتحة محمولا على ذلك أيضا، وقد تقدم ذلك، والله أعلم.