وَلما انْصَرف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بني لحيان لم يبْق بِالْمَدِينَةِ [إِلَّا ليَالِي قَلَائِل حَتَّى أغار] عُيَيْنَة بْن حصن فِي بني عَبْد اللَّهِ …
بْن غطفان، فاكتسحوا لقاحا كَانَت لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغَابَةِ، وَكَانَ فِيهَا رجل من بني غفار وَامْرَأَة لَهُ، فَقتلُوا الْغِفَارِيّ، وحملوا الْمَرْأَة واللقاح.
وَكَانَ أول من أَنْذرهُمْ سَلمَة بْن عَمْرو بْن الْأَكْوَع الْأَسْلَمِيّ كَانَ ناهضا إِلَى الغابة، فَلَمَّا علا ثنية الْوَدَاع نظر إِلَى خيل الْكفَّار وأنذر الْمُسلمين، ثمَّ نَهَضَ فِي آثَارهم، فأبلى بلَاء عَظِيما حَتَّى استنقذ أَكثر مَا فِي أَيْديهم. وَوَقعت الصَّيْحَة بِالْمَدِينَةِ، فَكَانَ أول من جَاءَ إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِين الصَّيْحَة الْمِقْدَاد بْن الْأسود، ثمَّ عباد بْن بشر، وَسعد بْن زيد الأشهليان، وَأسيد بْن ظهير الْأنْصَارِيّ، وعكاشة بْن مُحصن الْأَسدي، ومحرز بْن نَضْلَة الْأَسدي الأخرم، وَأَبُو قَتَادَة الْحَارِث بْن ربعي، وَأَبُو عَيَّاش الزريقي واسْمه عبيد بْن زيد بْن صَامت. فَلَمَّا اجْتَمعُوا أَمَّرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [عَلَيْهِم] سعد بْن زيد. وَقيل: أَن رَسُول اللَّه – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أعْطى فرس أبي عَيَّاش الزريقي معَاذ بْن ماعص أَو عَائِذ بْن ماعص وَكَانَ أحكم للفروسية من أبي عَيَّاش.
فَأول من لحق بهم مُحرز بْن نَضْلَة الأخرم فَقتل، رَحمَه اللَّه، قَتله عَبْد الرَّحْمَن بْن عُيَيْنَة بْن حصن وَكَانَ على فرس لمحمود بْن مسلمة أخي مُحَمَّد بْن مسلمة أَخذه وَكَانَ صَاحبه غَائِبا، فَلَمَّا قتل رَجَعَ الْفرس إِلَى آريه فِي بني عَبْد الْأَشْهَل، وَقيل: بل أَخذ الْفرس عَبْد الرَّحْمَن بْن عُيَيْنَة إِذْ قَتَلَ مُحْرِزَ بْن نَضْلَة عَلَيْهِ، وَركبهُ. ثمَّ قتل سَلمَة بْن الْأَكْوَع عَبْد الرَّحْمَن بْن عُيَيْنَة بِالرَّمْي فِي خرجته تِلْكَ واسترجع الْفرس وَخرج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاء يُقَال لَهُ قَرَدَ، وَنحر نَاقَة من لقاحه المسترجعة، وَأقَام على ذَلِك المَاء يَوْمًا وَلَيْلَة. وَكَانَ الْفضل فِي هَذِه الْغَزْوَة وَالْفِعْل الْكَرِيم والظهور وَالْبَلَاء الْحسن لسَلمَة بْن الْأَكْوَع، وَكُلُّهُمْ مَا قَصَّرَ، رَضِي اللَّه عَنْهُم.
وَكَانَ الْمُشْركُونَ قد أخذُوا نَاقَة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العضباء فِي غارتهم تِلْكَ على سرح الْمَدِينَة ونجوا بهَا وبتلك الْمَرْأَة الغفارية الْأَسِيرَة امْرَأَة الْغِفَارِيّ الْمَقْتُول وَقد قيل إِنَّهَا لم تكن امْرَأَة الْغِفَارِيّ الْمَقْتُول وَإِنَّمَا كَانَت امْرَأَة أبي ذَر، وَالْأول قَول ابْن إِسْحَاق وَأهل السّير. قَالَ: فَنَامَ الْقَوْم لَيْلَة وَقَامَت الْمَرْأَة فَجعلت لَا تضع شَيْئا على بعير إِلَّا رغا، حَتَّى أَتَت العضباء، فَإِذا نَاقَة ذَلُول، فركبتها ونذرت إِن نجاها اللَّه عَلَيْهَا لتنحرنها. فَلَمَّا قدمت الْمَدِينَة عُرِفَتْ نَاقَةُ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُخْبِرَ بذلك، فَأرْسل إِلَيْهَا، فجيء بهَا وبالمرأة، فَقَالَت: يَا رَسُول اللَّه نذرتُ إِن نجاني اللَّه أَن أنحرها، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بئس مَا جَزَيْتِهَا، لَا وَفَاء لنذر فِي مَعْصِيّة اللَّه وَلَا فِيمَا لَا يملك ابْن آدم». وَأخذ نَاقَته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.