حدثنى موسى بن عثمان بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ المسروقي، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرَّحْمَن الحراني أَبُو عبد الرَّحْمَن، قَالَ: أَخْبَرَنَا اسماعيل بن راشد، …
قال: كان من حديث ابن ملجم وأَصْحَابه أن ابن ملجم والبرك بن عَبْدِ اللَّهِ وعمرو بن بكر التميمي اجتمعوا، فتذاكروا أمر الناس، وعابوا عَلَى ولاتهم، ثُمَّ ذكروا أهل النهر، فترحموا عَلَيْهِم، وَقَالُوا: مَا نصنع بالبقاء بعدهم شَيْئًا! إخواننا الَّذِينَ كَانُوا دعاة الناس لعبادة ربهم، والذين كَانُوا لا يخافون فِي اللَّه لومة لائم، فلو شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلالة فالتمسنا قتلهم، فأرحنا مِنْهُمُ البلاد، وثأرنا بهم إخواننا! فَقَالَ ابن ملجم: أنا أكفيكم عَلِيّ بن أبي طالب -وَكَانَ من أهل مصر- وَقَالَ البرك بن عَبْدِ اللَّهِ: أنا أكفيكم مُعَاوِيَة بن أَبِي سُفْيَانَ، وَقَالَ عَمْرو بن بكر: أنا أكفيكم عَمْرو بن الْعَاصِ فتعاهدوا وتواثقوا بِاللَّهِ لا ينكص رجل منا عن صاحبه الَّذِي توجه إِلَيْهِ حَتَّى يقتله أو يموت دونه فأخذوا أسيافهم، فسموها، واتعدوا لسبع عشرة تخلو من رمضان أن يثب كل واحد مِنْهُمْ عَلَى صاحبه الَّذِي توجه إِلَيْهِ، وأقبل كل رجل مِنْهُمْ إِلَى المصر الَّذِي فِيهِ صاحبه الَّذِي يطلب.
فأما ابن ملجم المرادي فكان عداده فِي كندة، فخرج فلقي أَصْحَابه بالكوفة، وكاتمهم أمره كراهة أن يظهروا شَيْئًا من أمره، فإنه رَأَى ذات يوم أَصْحَابا من تيم الرباب -وَكَانَ علي قتل مِنْهُمْ يوم النهر عشرة- فذكروا قتلاهم، ولقي من يومه ذَلِكَ امرأة من تيم الرباب يقال لها: قطام ابنة الشجنه -وَقَدْ قتل أباها وأخاها يوم النهر، وكانت فائقة الجمال- فلما رآها التبست بعقله، ونسي حاجته الَّتِي جَاءَ لها، ثُمَّ خطبها، فَقَالَتْ: لا أتزوجك حَتَّى تشفي لي قَالَ: وما يشفيك؟ قالت: ثلاثة آلاف وعبد وقينة وقتل عَلِيّ بن أبي طالب، قَالَ: هُوَ مهر لك، فأما قتل علي فلا أراك ذكرته لي وأنت تريديني! قالت: بلى، التمس غرته، فإن أصبت شفيت نفسك ونفسي، ويهنئك العيش معي، وإن قتلت فما عِنْدَ اللَّه خير من الدنيا وزينتها وزينه أهلها، قال: فو الله مَا جَاءَ بي إِلَى هَذَا المصر إلا قتل علي، فلك مَا سألت قالت: إني أطلب لك من يسند ظهرك، ويساعدك عَلَى أمرك، فبعثت إِلَى رجل من قومها من تيم الرباب يقال لَهُ: وردان فكلمته فأجابها، وأتى ابن ملجم رجلا من أشجع يقال لَهُ شبيب بن بجرة فَقَالَ لَهُ: هل لك فِي شرف الدُّنْيَا والآخرة؟ قَالَ: وما ذاك؟ قَالَ: قتل عَلِيّ بن أبي طالب، قَالَ: ثكلتك أمك! لقد جئت شَيْئًا إدا، كيف تقدر عَلَى علي! قَالَ: أكمن لَهُ في المسجد، فإذا خرج لصلاة الغداة شد دنا عَلَيْهِ فقتلناه، فإن نجونا شفينا أنفسنا، وأدركنا ثأرنا، وإن قتلنا فما عِنْدَ اللَّه خير من الدُّنْيَا وما فِيهَا قَالَ: ويحك! لو كَانَ غير علي لكان أهون علي، قَدْ عرفت بلاءه فِي الإِسْلام، وسابقته مع النبي صلى الله عليه وسلم وما أجدني أنشرح لقتله قَالَ: أما تعلم أنه قتل أهل النهر العباد الصالحين! قَالَ: بلى، قَالَ: فنقتله بمن قتل من إخواننا، فأجابه. فجاءوا قطام -وَهِيَ فِي المسجد الأعظم معتكفة- فَقَالُوا لها: قَدْ أجمع رأينا عَلَى قتل علي، قالت: فإذا أردتم ذَلِكَ فأتوني، ثُمَّ عاد إِلَيْهَا ابن ملجم فِي ليلة الجمعة الَّتِي قتل فِي صبيحتها علي سنة أربعين، فَقَالَ: هَذِهِ الليلة الَّتِي واعدت فِيهَا صاحبي أن يقتل كل منا صاحبه، فدعت لَهُمْ بالحرير فعصبتهم بِهِ، وأخذوا أسيافهم وجلسوا مقابل السدة الَّتِي يخرج منها علي، فلما خرج ضربه شبيب بالسيف. فوقع سيفه بعضادة الباب أو الطاق، وضربه ابن ملجم فِي قرنه بالسيف. وهرب وردان حَتَّى دخل منزله، فدخل عَلَيْهِ رجل من بني أَبِيهِ وَهُوَ ينزع الحرير عن صدره، فَقَالَ: مَا هَذَا الحرير والسيف؟ فأخبره بِمَا كَانَ وانصرف فَجَاءَ بسيفه فعلا بِهِ وردان حَتَّى قتله، وخرج شبيب نحو أبواب كندة فِي الغلس، وصاح الناس، فلحقه رجل من حضرموت يقال لَهُ عويمر، وفي يد شبيب السيف، فأخذه، وجثم عَلَيْهِ الحضرمي، فلما رَأَى الناس قَدْ أقبلوا فِي طلبه، وسيف شبيب فِي يده، خشي عَلَى نفسه، فتركه، ونجا شبيب فِي غمار الناس، فشدوا عَلَى ابن ملجم فأخذوه، إلا أن رجلا من همدان يكنى أبا أدماء أخذ سيفه فضرب رجله، فصرعه، وتأخر علي، ورفع فِي ظهره جعدة بن هبيرة بن أبي وهب، فصلى بِالنَّاسِ الغداة، ثُمَّ قَالَ علي: علي بالرجل، فأدخل عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أي عدو اللَّه، ألم أحسن إليك! قَالَ: بلى، قَالَ: فما حملك عَلَى هَذَا؟ قَالَ: شحذته أربعين صباحا، وسألت اللَّه أن يقتل به شر خلقه، فقال عليه السلام : لا أراك إلا مقتولا بِهِ، وَلا أراك إلا من شر خلقه.
وذكروا أن ابن ملجم قَالَ قبل أن يضرب عَلِيًّا -وَكَانَ جالسا في بنى بكر ابن وائل إذ مر عَلَيْهِ بجنازة أبجر بن جابر العجلي أبي حجار، وَكَانَ نصرانيا، والنصارى حوله، وأناس مع حجار لمنزلته فِيهِمْ يمشون في جانب وفيهم شقيق ابن ثور- فَقَالَ ابن ملجم: مَا هَؤُلاءِ؟ فأخبر الخبر، فأنشأ يقول:
لَئِنْ كَانَ حجار بن أبجر مسلما *** لقد بوعدت مِنْهُ جنازة أبجر
وإن كَانَ حجار بن أبجر كافرا *** فما مثل هَذَا من كفور بمنكر
أترضون هَذَا أن قيسا ومسلما *** جميعا لدى نعش، فيا قبح منظر!
فلولا الَّذِي أنوي لفرقت جمعهم *** بأبيض مصقول الدياس مشهر
ولكنني أنوي بذاك وسيلة *** إِلَى اللَّهِ أو هَذَا فخذ ذاك او ذر
وذكر ان محمد بن الحنفيه، قال: كنت والله انى لأصلى تِلَكَ الليلة الَّتِي ضرب فِيهَا علي فِي المسجد الأعظم، فِي رجال كثير من أهل المصر، يصلون قريبا من السدة، مَا هم إلا قيام وركوع وسجود، وما يسأمون من أول الليل إِلَى آخره، إذ خرج علي لصلاة الغداة، فجعل ينادي: أَيُّهَا النَّاسُ، الصَّلاة الصَّلاة! فما أدري أخرج من السدة فتكلم بهذه الكلمات أم لا!
فنظرت إِلَى بريق، وسمعت: الحكم لِلَّهِ يَا علي لا لك وَلا لأَصْحَابك، فرأيت سيفا، ثُمَّ رأيت ثانيا، ثُمَّ سمعت عَلِيًّا يقول: لا يفوتنكم الرجل، وشد الناس عَلَيْهِ من كل جانب. قَالَ: فلم أبرح حَتَّى أخذ ابن ملجم وأدخل عَلَى علي، فدخلت فيمن دخل مِنَ النَّاسِ، فسمعت عَلِيًّا يقول: النفس بالنفس، إن أنا مت فاقتلوه كما قتلني، وإن بقيت رأيت فِيهِ رأيي. وذكر أن الناس دخلوا عَلَى الْحَسَن فزعين لما حدث من أمر علي، فبينما هم عنده وابن ملجم مكتوف بين يديه، إذ نادته أم كلثوم بنت علي وَهِيَ تبكي: أي عدو اللَّه، لا بأس عَلَى أبي، وَاللَّهِ مخزيك! قَالَ: فعلى من تبكين؟ وَاللَّهِ لقد اشتريته بألف، وسممته بألف، ولو كَانَتْ هَذِهِ الضربة عَلَى جميع أهل المصر مَا بقي مِنْهُمْ أحد.
وذكر أن جندب بن عَبْدِ اللَّهِ دخل عَلَى علي فسأله، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إن فقدناك -وَلا نفقدك- فنبايع الْحَسَن؟ فَقَالَ: مَا آمركم وَلا أنهاكم، أنتم أبصر فرد عَلَيْهِ مثلها، فدعا حسنا وحسينا، فَقَالَ: أوصيكما بتقوى اللَّه، وألا تبغيا الدُّنْيَا وإن بغتكما، وَلا تبكيا عَلَى شَيْء زوي عنكما، وقولا الحق، وارحما اليتيم، وأغيثا الملهوف، واصنعا للآخرة، وكونا للظالم خصما، وللمظلوم ناصرا، واعملا بِمَا فِي الكتاب، ولا تأخذكما فِي اللَّه لومة لائم ثُمَّ نظر إِلَى محمد بن الحنفية، فَقَالَ: هل حفظت مَا أوصيت بِهِ أخويك؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فإني أوصيك بمثله، وأوصيك بتوقير أخويك، لعظيم حقهما عَلَيْك، فاتبع أمرهما، وَلا تقطع أمرا دونهما.
ثُمَّ قَالَ: أوصيكما بِهِ، فإنه شقيقكما، وابن أبيكما، وَقَدْ علمتما أن أباكما كَانَ يحبه.
وَقَالَ للحسن: أوصيك أي بني بتقوى اللَّه، وإقام الصَّلاة لوقتها، وإيتاء الزكاة عِنْدَ محلها، وحسن الوضوء، فإنه لا صلاة إلا بطهور، وَلا تقبل صلاه من مانع زكاه، وأوصيك بغفر الذنب، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، والحلم عِنْدَ الجهل، والتفقه فِي الدين، والتثبت فِي الأمر، والتعاهد للقرآن، وحسن الجوار، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، واجتناب الفواحش.
فلما حضرته الوفاة أوصى، فكانت وصيته:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*، هَذَا مَا أوصى بِهِ عَلِيّ بن أبي طالب، أوصى أنه يشهد أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ* ثُمَّ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أوصيك يَا حسن وجميع ولدي وأهلي بتقوى اللَّه ربكم، وَلا تموتن إلا وَأَنْتُمْ مسلمون، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا، فإني سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: «إن صلاح ذات البين أفضل من عامة الصَّلاة والصيام!»؛ انظروا إِلَى ذوي أرحامكم فصلوهم يهون اللَّه عَلَيْكُمُ الحساب، اللَّه اللَّه فِي الأيتام، فلا تعنوا أفواههم، وَلا يضيعن بحضرتكم.
وَاللَّهِ اللَّه فِي جيرانكم، فإنهم وصية نبيكم صلى الله عليه وسلم، مَا زال يوصي بِهِ حَتَّى ظننا أنه سيورثه وَاللَّهِ اللَّه فِي القرآن، فلا يسبقنكم إِلَى العمل بِهِ غيركم، وَاللَّهِ اللَّه فِي الصَّلاة، فإنها عمود دينكم وَاللَّهِ اللَّه فِي بيت ربكم فلا تخلوه مَا بقيتم، فإنه إن ترك لم يناظر، وَاللَّهِ اللَّه فِي الجهاد فِي سبيل اللَّه بأموالكم وأنفسكم، وَاللَّهِ اللَّه فِي الزكاة، فإنها تطفئ غضب الرب، وَاللَّهِ اللَّه فِي ذمة نبيكم، فلا يظلمن بين أظهركم، وَاللَّهِ اللَّه فِي أَصْحَاب نبيكم، فإن رَسُول اللَّهِ أوصى بهم، وَاللَّهِ اللَّه فِي الْفُقَرَاء والمساكين فأشركوهم فِي معايشكم، وَاللَّهِ اللَّه فِيمَا ملكت أيمانكم الصَّلاة الصَّلاة لا تخافن فِي اللَّه لومة لائم، يكفيكم من أرادكم وبغى عَلَيْكُمْ وقولوا لِلنَّاسِ حسنا كما أمركم اللَّه، وَلا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي الأمر شراركم، ثُمَّ تدعون فلا يستجاب لكم. وَعَلَيْكُمْ بالتواصل والتباذل، وإياكم والتدابر والتقاطع والتفرق، وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى، وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ حفظكم اللَّه من أهل بيت، وحفظ فيكم نبيكم أستودعكم اللَّه، وأقرأ عَلَيْكُمُ السلام ورحمة اللَّه.
ثُمَّ لم ينطق إلا بلا إله إلا اللَّه حَتَّى قبض رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ فِي شهر رمضان سنة أربعين، وغسله ابناه الْحَسَن والحسين وعبد اللَّه بن جَعْفَر، وكفن فِي ثلاثة أثواب ليس فِيهَا قميص، وكبر عَلَيْهِ الْحَسَن تسع تكبيرات، ثُمَّ ولي الْحَسَن ستة أشهر.
وَقَدْ كَانَ علي نهى الْحَسَن عن المثلة، وَقَالَ: يَا بني عبد المطلب، لا ألفينكم تخوضون دماء الْمُسْلِمِينَ، تقولون: قتل أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، قتل أَمِير الْمُؤْمِنِينَ! أَلا لايقتلن الا قاتلى انظر يا حسن، ان انامت من ضربته هَذِهِ فاضربه ضربة بضربة، وَلا تمثل بالرجل، فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إياكم والمثلة، ولو أنها بالكلب العقور» فلما قبض عليه السلام بعث الْحَسَن إِلَى ابن ملجم، فَقَالَ للحسن: هل لك فِي خصلة؟ إني وَاللَّهِ مَا أعطيت اللَّه عهدا إلا وفيت بِهِ، إني كنت قَدْ أعطيت اللَّه عهدا عِنْدَ الحطيم أن أقتل عَلِيًّا ومعاوية أو أموت دونهما، فإن شئت خليت بيني وبينه، ولك اللَّه علي إن لم أقتله -أو قتلته ثُمَّ بقيت- أن آتيك حَتَّى أضع يدي فِي يدك. فَقَالَ لَهُ الْحَسَن: أما وَاللَّهِ حَتَّى تعاين النار فلا ثُمَّ قدمه فقتله، ثُمَّ أخذه الناس فأدرجوه فِي بواري، ثُمَّ أحرقوه بالنار.
وأما البرك بن عَبْدِ اللَّهِ، فإنه فِي تِلَكَ الليلة الَّتِي ضرب فِيهَا علي قعد لمعاوية، فلما خرج ليصلي الغداة شد عَلَيْهِ بسيفه، فوقع السيف فِي أليته، فأخذ، فَقَالَ: إن عندي خيرا أسرك بِهِ، فإن أخبرتك فنافعي ذَلِكَ عندك؟ قَالَ: نعم، قَالَ: إن أخا لي قتل عَلِيًّا فِي مثل هَذِهِ الليلة، قَالَ: فلعله لم يقدر عَلَى ذَلِكَ! قَالَ: بلى، إن عَلِيًّا يخرج ليس مَعَهُ من يحرسه، فأمر بِهِ مُعَاوِيَة فقتل وبعث مُعَاوِيَة إِلَى الساعدي -وَكَانَ طبيبا- فلما نظر إِلَيْهِ قَالَ: اختر إحدى خصلتين: إما أن أحمي حديدة فأضعها موضع السيف، وإما أن أسقيك شربة تقطع مِنْكَ الولد، وتبرأ منها، فإن ضربتك مسمومة، فَقَالَ مُعَاوِيَة: أما النار فلا صبر لي عَلَيْهَا، وأما انقطاع الولد فإن فِي يَزِيد وعبد اللَّه مَا تقر به عيني فسقاه تِلَكَ الشربة فبرأ، ولم يولد لَهُ بعدها، وأمر مُعَاوِيَة عِنْدَ ذَلِكَ بالمقصورات وحرس الليل وقيام الشرطه عَلَى رأسه إذا سجد.
وأما عَمْرو بن بكر فجلس لعمرو بن الْعَاصِ تِلَكَ الليلة، فلم يخرج، وَكَانَ اشتكى بطنه، فأمر خارجة بن حذافة، وَكَانَ صاحب شرطته، وَكَانَ من بني عَامِر بن لؤي، فخرج ليصلي، فشد عَلَيْهِ وَهُوَ يرى أنه عَمْرو، فضربه فقتله، فأخذه الناس، فانطلقوا بِهِ إِلَى عَمْرو يسلمون عَلَيْهِ بالإمرة، فَقَالَ: من هَذَا؟ قَالُوا: عَمْرو، قَالَ: فمن قتلت؟ قَالُوا: خارجة بن حذافة، قَالَ: أما وَاللَّهِ يَا فاسق مَا ظننته غيرك، فَقَالَ عَمْرو: أردتني وأراد اللَّه خارجة، فقدمه عَمْرو فقتله، فبلغ ذَلِكَ مُعَاوِيَة، فكتب إِلَيْهِ:
وقتل وأسباب المنايا كثيرة *** منية شيخ من لوى بن غالب
فيا عَمْرو مهلا إنما أنت عمه *** وصاحبه دون الرجال الأقارب
نجوت وَقَدْ بل المرادي سيفه *** من ابن أبي شيخ الأباطح طالب
ويضربني بالسيف آخر مثله *** فكانت علينا تِلَكَ ضربة لازب
وأنت تناغي كل يوم وليلة *** بمصرك بيضا كالظباء السوارب
ولما انتهى إِلَى عَائِشَة قتل علي- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قالت:
فألقت عصاها واستقرت بِهَا النوى *** كما قر عينا بالإياب المسافر
فمن قتله؟ فقيل: رجل من مراد، فَقَالَتْ:
فإن يك نائيا فلقد نعاه *** غلام ليس فِي فِيهِ التراب
فَقَالَتْ زينب ابنة أبي سلمة: ألعلي تقولين هَذَا؟ فَقَالَتْ: إني أنسى، فإذا نسيت فذكروني وَكَانَ الَّذِي ذهب بنعيه سُفْيَان بن عبد شمس بن أَبِي وَقَّاص الزُّهْرِيّ: وَقَالَ ابن ابى عباس المرادي فِي قتل علي:
ونحن ضربنا يَا لك الخير حيدرا *** أبا حسن مأمومة فتفطرا
ونحن خلعنا ملكه من نظامه *** بضربة سيف إذ علا وتجبرا
ونحن كرام فِي الصباح أعزة *** إذا الموت بالموت ارتدى وتأزرا
وَقَالَ أَيْضًا:
ولم أر مهرا ساقه ذو سماحة *** كمهر قطام من فصيح وأعجم
ثلاثة آلاف وعبد وقينة *** وضرب علي بالحسام المصمم
فلا مهر أغلى من علي وإن غلا *** وَلا قتل إلا دون قتل ابن ملجم
وَقَالَ أَبُو الأسود الدؤلي:
أَلا أبلغ مُعَاوِيَة بن حرب *** فلا قرت عيون الشامتينا
أفي شهر الصيام فجعتمونا *** بخير الناس طرا أجمعينا!
قتلتم خير من ركب المطايا *** ورحلها ومن ركب السفينا
ومن لبس النعال ومن حذاها *** ومن قرأ المثاني والمبينا
إذا استقبلت وجه أبي حُسَيْن *** رأيت البدر راع الناظرينا
لقد علمت قريش حَيْثُ كَانَتْ *** بأنك خيرها حسبا ودينا
واختلف فِي سنة يوم قتل، فَقَالَ بعضهم: قتل وَهُوَ ابن تسع وخمسين سنة.
وحدثت عن مُصْعَب بن عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ الْحَسَن بن علي يقول: قتل أبي وَهُوَ ابن ثمان وخمسين سنة.
وَحَدَّثَنَا عن بعضهم، قَالَ: قتل وَهُوَ ابن خمس وستين سنة.
وَحَدَّثَنِي أَبُو زيد، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أيوب بن عُمَرَ بن أبي عَمْرو، عن جَعْفَر بن مُحَمَّدٍ، قَالَ: قتل علي وَهُوَ ابن ثلاث وستين سنة قَالَ: وَذَلِكَ أصح مَا قيل فِيهِ.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قال: قتل على عليه السلام وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً.
وَقَالَ هِشَامٌ: ولى على وهو ابن ثمان وخمسين سنه واشهر، وكانت خلافته خمس سنين الا ثلاثة اشهر، ثُمَّ قَتَلَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ -وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابن عَمْرٍو- فِي رَمَضَانَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْهُ، وَكَانَتْ وِلايَتُهُ أَرْبَعَ سِنِينَ وَتِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَقُتِلَ سنة أربعين وهو ابن ثلاث وستين سنة.
وَحَدَّثَنِي الْحَارِث، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قتل على عليه السلام وَهُوَ ابن ثلاث وستين سنة صبيحة ليلة الجمعه لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربعين، ودفن عِنْدَ مسجد الجماعة فِي قصر الإمارة.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عُمَرَ، قَالَ: ضرب علي عليه السلام ليلة الجمعة، فمكث يوم الجمعة وليلة السبت، وتوفي ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة أربعين وَهُوَ ابن ثلاث وستين سنة.
وَحدثني الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن سعد، قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو بَكْرٍ السَّبْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، قَالَ: سمعت محمد بن الحنفيه يقول سنه الجحاف حين دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَثَمَانِينَ هَذِهِ وَلِي خَمْسٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، قَدْ جَاوَزْتُ سِنَّ أَبِي، قِيلَ: وَكَمْ كَانَتْ سِنُّهُ يَوْمَ قُتِلَ؟ قَالَ: قُتِلَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً.
وَقَالَ الْحَارِثُ: قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ كَذَلِكَ، وَهُوَ الثَّبْتُ عِنْدَنَا.