الأستاذ الدكتور عز الدين عمر موسى
عمّان- المملكة الأردنيّة الهاشميّة
ما زال تاريخنا بحاجة ملحة لإعادة قراءته لا إعادة كتابته، فهذا عسير وربما مستحيل، وذلك ميسور مفيد لأن مصادر هذا التاريخ وفّرت لدارسة روايات متعددة في الحدث الواحد في أكثر الأحيان. وبهذا يستطيع ذلك الدارس تفكيك جزئيات الظاهرة المبعوثة ويعيد تركيبها بمنظور آخر ينتج عنه، في أغلب الأحيان، شيئاً مغايراً عن صور القراء الآخرين.
وهذا مطلوب لفهم أشمل وأعمق لدراسة أحداث السيرة النبوية كيلا تبدأ بالمغازي وتنتهي عندها.. ويسمح مثل هذا المنهج بتناول حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم في شتى جوانبها إن أريد لها أن تكون هادية ومرشدة لحياة المسلم في ذات نفسه وفي سائر مجتمعه.
فإعادة قراءة جزئيات الهجرة الى الحبشة على ضوء هذا المنهج تعطي دلالات مبدئية واستراتيجية وتكتيكية مهمة على طريق الدعوة إلى الله في مجتمع كافر فضلاً عن مجتمع مسلم. ومثل هذه المحاولة ضرورية لأنه ما من كاتب للمغازي والتاريخ إلا تناول الهجرة الى الحبشة، بتطاول أو اختصار،إلا جاءت مروياته عن هجرة أو هجرتين،جاعلة أسبابها تدور حول درء الاضطهاد عن المسلمين في مكة واختيار المكان لعدل نجاشي الحبشة..
ولكن هذه الصورة المستخلصة لا تفصح عن دلالات اختيار الهجرة وتجنب المقاومة المتسمة بالعنف سبيلاً للدعوة،ولا تقف عند دلاله زمن الهجرة،ولا تستشرف بعمق سر اختيار المكان. ومن هنا يستطيع المرء أن يستنتج عدة وقفات مهمة.