غزوة الأحزاب (حفر الخندق – اليوم الخامس)
وفيه استمرّ المسلمون بقيادة النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في حفر الخندق نهارًا، والنّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم يُشاركهم في الحفر وحمل التُّراب، والمسلمون مجهدون من العمل والبرد وقلّة الطعام، ووجد النّاس صخرة صلدة أُخرى وهم يحفرون قد كسرت معاولهم، فذهبوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فجاء وأمرهم أن يأتوا بدلو من الماء، فدعا وتفل فيه، ثم صبّه عليها صلى الله عليه وآله وسلَّم فتفتت -وهذا من مُعجزاته صلى الله عليه وآله وسلَّم-، والنّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم يحفر معهم وقد كسا بطنه الشريفة الغُبار، وجابر بن عبد الله رضي الله عنّه قد مرّ بهم وقد أشفق أن يرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأكل فترة طويلة حتى ظهر على بطنه قلّة الطعام، فذهب جابر رضي الله عنه إلى زوجته وقال: “رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يأكل من أيّام، فهل عندك شيء؟”، قالت: “والله ما عندنا إلا هذه الشّاة ومُدّ -المُدّ حوالي نصف كيلو جرام تقريبًا- من شعير”، قال جابر: “فاطحني وأصلحي”، فذبحوا الشّاة وطبخت بعضها وشوت البعض الآخر، وعجنت الشعير لتخبزه.
وجاء جابر فأكمل العمل حتى يمهل زوجته الانتهاء من طهي الطعام، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: “يا رسول الله، قد صنعت لك طعامًا فأت أنت ومن أحببت من أصحابك”، فشبّك النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أصابعه في أصابع جابر ونادى في أصحابه: «أجيبوا، جابر يدعوكم فأقبلوا معه»، قال جابر: “فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، والله إنها الفضيحة!”، فذهب لامرأته وأخبرها فقالت: “أنت دعوتهم أو هو دعاهم؟”، قال جابر: “بل هو دعاهم!”، قالت: “دعهم هو أعلم!”، وجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعه أصحابه وجعلهم عشرة عشرة ثم قال لجابر وزوجته: “اغرفوا وغطّوا البُرمة وأخرجوا من التنّور الخُبز ثم غطّوه”، فأخذوا يغرفون لمن جلس يأكل ويغطّون الطعام ثم يفتحون يغرفون منها مرّة أخرى فيجدونها لم تنقص شيئًا!، فأكلوا جميعًا حتى شبعوا، وقال صلى الله عليه وآله وسلم لجابر وزوجته: «كلوا وأهدوا»، وعاد النّاس للعمل في الخندق والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة *** فاغفر للأنصار والمهاجرة
فيردّون عليه قائلين:
نحن الذين بايعوا محمدًا *** على الجهاد ما بقينا أبدًا
وصلّوا الصلوات وغربت الشّمس وهم هناك وعادوا لبيوتهم لاستكمال العمل في الصباح.