غزوة الأحزاب (حفر الخندق – اليوم السادس)
وفيه استمرّ المسلمون بقيادة النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في حفر الخندق نهارًا، والنّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم يُشاركهم في الحفر وحمل التُّراب، والمسلمون مجهدون من العمل والبرد وقلّة الطعام، وصلّوا الصلوات وغربت الشّمس وهم هناك وعادوا لبيوتهم لاستكمال العمل في الصباح.
وبينما النّاس يحفرون وزيد بن ثابت -وعنده خمسة عشر عامًا حينها- ينقل التُّراب مع المسلمين، نظر إليه سعد بن مُعاذ رضي الله عنه وهو جالس مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: “الحمد لله يا رسول الله الذي أبقاني حتى آمنت بك، إني عانقت أبا هذا -يقصد زيدًا- يوم بُعاث، ثابت بن الضّحاك، ومات في تلك المعركة -في الجاهليّة-“، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أما إنّه نعم الغُلام».
وأتمّ المسلمون العمل على الخندق، وذهبت كل مجموعة تتفحص وتُراجع مع الآخرين بقيّة الخندق ويتأكدوا من اكتماله وحصانته ويطيفون به للحراسة، وقد لبست كل مجموعة سلاحها، وكان زيد بن حارثة معه سلاحه: درعه وسيفه وقوسه، فغلبته عيناه فنام في الخندق، وسلاحه على حافّة الخندق، فجاء عُمارة بن حزم فأخذ سلاحه وهو لا يشعر، ففزع زيد وأخذ يبحث عن سلاحه، وبلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم ضياع سلاح زيد، فطلبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: «يا أبا رُقاد، نمت حتى ذهب سلاحُك؟!» -وهي مُداعبة جميلة من النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم لزيد وهو شابّ صغير حتى ينتبه لنفسه في التأهُب للحرب-، ثم قال: «من له علم بسلاح هذا الغُلام؟»، فقال عُمارة بن حزم: “أنا يا رسول الله وهو عندي”، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «رُدَّه عليه»، ونهى صلى الله عليه وآله وسلَّم أن يُرَوَّع المُسلم أو يؤخذ متاعه على سبيل اللعب ثم يصير ذلك جدًا بفزعه وإخافته لضياع متعلقاته.
وأمر النّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم بتوزيع الحراسات على الخندق وعمل الدوريات المستمرّة تحسبًا لهجوم العدو ونزوله في أيّ وقت وقد علموا اقترابه من المدينة، وأمر بنصب خيمة أُخرى للقيادة في غرب جبل سَلْع في سفحه، تُطِلّ على موضع جيوش العدو المتوقع، وموضعها الآن مسجد الخندق، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قد قسَّم أيّام الخندق بين: عائشة وأم سلمة رضي الله عنهن، وغيرهنّ في حصون بني حارثة بالمدينة مع الأطفال وباقي نساء المدينة.
حُيَيّ بن أخطب النّضري اليهودي يُغري بنو قريظة بنقض العهد
وفيه لمّا اقتربت جيوش الأحزاب من المدينة المنوَّرة، وكان معهم حُيَيّ بن أخطب النضري اليهودي في وفد اليهود والمنافقين، وكان يقول لقُريش وأبي سفيان أثناء مسيره معهم من مكّة: “إن قومي قُريظة معكم، هم أهل حرب وسلاح، وهم سبعمائة وخمسون مُقاتلًا”، فلمّا اقتربت جيوش الأحزاب اليوم من المدينة المُنوَّرَة قال أبو سفيان لحيي بن أخطب: “ائت قومك، حتى ينقضوا العهد الذي بينهم وبين محمد”، فسار حُيَيّ بن أخطب ليدخل المدينة من الجنوب ناحية قُباء عند منازل بني قُريظة، وكانوا حُلفاء بني النّضير -قبيلة حُيَيّ التي أجلاها النّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم- وهم على عهدهم والتزامهم الدستور مع المسلمين والنبي صلى الله عليه وآله وسلَّم حتى اليوم، بل وشاركوا بالآلات في حفر الخندق، وكان رئيسهم كعب بن أسد وهو الذي شارك في كتابة دستور المدينة التوافقي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم وصدّق عليه نيابة عن قومه بنو قُريظة، وغربت الشَّمس وهو في طريقه إليهم.