غزوة الأحزاب (حفر الخندق – اليوم الثالث)
وفيه استمرّ المسلمون بقيادة النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في حفر الخندق نهارًا، والنّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم يُشاركهم في الحفر وحمل التُّراب وقد غطّى التُّراب صدره وبطنه وهو يقول:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا *** ولا تصدقنا ولا صلّينا
يرددها، ويقول البراء بن عازب رضي الله عنه: “ما رأيت أحدًا أحسن في حُلّة حمراء من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه كان أبيض شديد البياض، كثير الشّعر يضرب الشعر منكبيه، ولقد رأيته يومئذ يحمل التراب على ظهره حتى حال غُبار بيني وبينه وإني لأنظر إلى بياض بطنه”.
ولم يكن أحد من المسلمين إلا ويحفر، أو يرفع بجاروف في الزنبيل، أو يحمل التُّراب على الزنبيل على رأسه وهو مشهد مليء بالعمل والهمّة الإنجاز، ورُئي أبو بكر وعُمر رضي الله عنهما ينقلان التُّراب في ملابسهما من الاستعجال لعدم وجود زنابيل فارغة يحملون فيها.
وبلغ بالتّعب والسهر من النّبي صلى الله عليه وآله وسلم ومشاركته المسلمين في حفر الخندق أن جلس صلى الله عليه وآله وسلَّم واتكأ بجانبه الأيسر على صخرة، فنام وهو جالس، وكان أبا بكر وعمر يحفران حوله، فجاءا فوقفا عند رأسه صلى الله عليه وآله وسلم حتى لا يوقظه أحد يشيران للنّاس ألّا يوقظوه، واقترب منه أبو واقد الليثي رضي الله عنه، ففُزع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من نومه وقال: «ألا أفزعتموني -أيقظتموني- فآخذ المعول فأضرب به» -يعني يأخذ دوره في الحفر-، واستمرّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحفر وهو يقول:
اللهم إن العيش عيش الآخرة *** فاغفر للأنصار والمهاجرة