وفي ليلته كان الجو باردًا جدًا، فأراد بعض الصحابة في الجيش رضوان الله عليهم أن يوقدوا نارًا للتدفئة، فنهاهم عمرو بن العاص رضي الله عنه …
-وهو قائد الجيش- وكانوا قريبين من تجمُّعات للعدو، فخاف عمرو أن يكشفهم العدوّ ويخسرون عُنصر المُفاجأة ويأتيهم العدوّ بالأمداد فيقضي عليهم، ولم يُفصح عمرو بخُطّته وترتيبه لأحد، وهذا ما تضايق منه البعض، فجاءوا إلى أبي بكر وعُمر رضي الله عنه، فكلّموهما، فغضب عُمر رضي الله عنه، وقام ليُكلِّم عمرو، فنهاه أبو بكر رضي الله عنه وقال: “إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يستعمله إلا لعلمه بالحرب”، فهدأ عُمر.
واشتدّ عليهم البرد فذهب بعض المُهاجرين إلى عمرو مرّة أُخرى يُكلّمه أن يوقدوا نارًا للتدفئة، فقال عمرو: “قد أُمِرت أن تسمع لي”، قال: “نعم”، قال عمرو: “فافعل”، فذهبوا فكلّموا أبا بكر رضي الله عنه، فقام أبو بكر رضي الله عنه يُكلِّمَه ويستفهم منه، فقال عمرو: “لا يُوقِد أحدٌ منهم نارًا إلا قذفته فيها”، فسكت أبو بكر رضي الله عنه وانصرف عنه [^1].
وفيه استمرّت إقامة عمرو بن العاص ومن معه يطوفون ببلاد بَلِيّ وقُضاعة كلّما علم بتجّمعات لهم تحرّك إليها بالجيش فقضى عليها، وكان يُرسل السريّة من الفرسان فيأتون بالأغنام والإبل والماشية، وصلوا الصلوات، وغربت الشمس وهم هناك.
[^1]: وسيأتي في نهاية السريّة عدم إنكار النّبي صلى الله عليه وآله وسلم لفعل عمرو، بل وتأييده له لدرايته بمسائل الحرب.