وفيه استمرت إقامة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكَّة المُكَرَّمة بعد الفتح مُفطرًا، ومعه المسلمون يقصرون الصلاة، وكان صلى الله عليه …
وآله وسلَّم مُقيما ب#~~~الحُجُون~~~# يأتي إليه الناس ليسلموا ويُصلِّي الصلوات في المسجد الحرام عند الكعبة.
ولمّا نفّذ المُسلمون حُكم الإعدام في عدد من مُجرمي مَكَّة الذين أمر النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم بإعدامهم، وعفى عن البعض، جاء إليه أبو سفيان بن حرب فقال: “فداك أبي وأمي، الإبقاء في قومك -أي لا تعدم أحدًا غير من أُعْدِموا-“، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تُقتَل قُريش صبرًا -أي لا يُنفَّذ إعدام في قُريش- بعد اليوم! -يعني المشركون منهم»، وكلامه صلى الله عليه وآله وسلم يحتمل وجهان، فإمّا أنّه إخبار بغيب من أنّ البقيّة ممن صدر في حقهم حكم الإعدام سيموتون وحدهم أو يُسلموا وهو ما كان، وهو أيضًا استجابة لطلب أبي سُفيان، وقال أيضًا: «لا تُغزى قُريشًا بعد اليوم إلى يوم القيامة!».
وفيه جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم هند بنت عتبة -زوجة أبي سفيان بن حرب-، وأُم حكيم بنت الحارث بن هشام -زوجة عكرمة بن أبي جهل-، و البغوم بنت المُعذّل الكنانيّة -زوجة صفوان بن أميَّة-، وفاطمة بنت الوليد بن المُغيرة، وهند بنت منبّه بن الحجاج -أم عبد الله بن عمرو بن العاص-، في عشر نسوة، جئن إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعنده زوجته وابنته فاطمة ونساء بني عبد المطلب وهو جالس عند الصفا، والرجال والنساء والأطفال من أهل مكة يأتون إليه يبايعونه، وعمر بن الخطاب جالس أسفل منه، فتكلمت هند بنت عتبة، فقالت: “يا رسول الله الحمد لله الذي أظهر الدين الذي اختاره لنفسه، لتمسني رحمتك يا محمد، إني امرأة مؤمنة بالله مصدقة”، فقرأ عليهن صلى الله عليه وآله وسلم القرآن وقال: «بايعنني على أن لا تشركن بالله شيئًا»، فقالت هند: “والله إنك لتأخذ علينا ما لا تأخذه من الرجال!”، قال: «ولا تسرقن»، فقالت: “والله إني كنت أصبت من مال أبي سفيان الهنة بعد الهنة وما كنت أدري، أكان ذلك علينا حلالًا أم لا؟، فقال أبو سفيان -وكان واقفًا معهم-: “أما ما أصبت فيما مضى فأنت منه في حل”، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «وإنك لهند بنت عتبة؟»، فكشفت عن وجهها وقالت: “نعم، فاعف عما سلف، عفا الله عنك”، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مرحبًا بك»، فقالت: “والله يا رسول الله ما على الأرض من أهل خباء كانوا أحب إلي أن يذلوا من أهل خبائك، ولقد أصبحت وما على الأرض من أهل خباء أحب إلي أن يعزوا من أهل خبائك”، فقال لها صلى الله عليه وآله وسلم: «وزيادة أيضًا»، ثم قال: «ولا يزنين»، فقالت: “يا رسول الله، وهل تزني الحرة؟”، ثم قال: «ولا تقتلن أولادكن»، قالت: “ربيناهم صغارًا حتى قتلتهم أنت وأصحابك ببدر كبارًا!”، فضحك عمر بن الخطاب حتى استغرق، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: «ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن»، فقالت: “والله إن إتيان البهتان لقبيح، ولبعض التجاوز أمثل!”، ثم قال: «ولا يعصينني»، فقالت: “في معروف!”، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعُمَر: «بايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم»، فبايعهن عُمر، وسألت هند النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح، فهل علي حرج أن أطعم من الذي له؟”، قال: «لا إلا بالمعروف».
ثم قالت هند من بينهن: “يا رسول الله نماسحك -نصافحك-“، فقال صل الله عليه وآله وسلم: «إني لا أصافح النساء، إن قولي لمائة امرأة مثل قولي لامرأة واحدة».
وقالت أم حكيم -زوجة عكرمة بن أبي جهل-: “يا رسول الله قد هرب عكرمة منك إلى اليمن، وخاف أن تقتله، فأمِّنه”، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «هو آمن».
هروب صفوان بن أميّة ومُلاحقة عُمير بن وهب له
وفيه لحق عمير بن وهب قريبه صفوان بن أميَّة [^1] وكان قد هرب مع غلام له اسمه يسار ليركب البحر خوفًا ألا يؤمنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان عمير قد طلب الأمان له من النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفتح فأمّنه، فخرج عُمَيْر من مكَّة ليلحق به فأدركه اليوم ب #~~~الشُّعَيْبة~~~# وكانت ميناء مكة قبل جدَّة، وكان صفوان يتلفت حوله خوفًا، فقال لغلامه: “ويحك، انظر من ترى”، قال: “هذا عمير بن وهب”، قال صفوان: “ما أصنع بعمير؟، والله ما جاء إلا يريد قتلي، قد ناصر محمدًا علي”، فلحقه عمير، فقال صفوان: “يا عمير ما كفاك ما صنعت بي؟، حمَّلتني دَيْنَك وعِيَالَك ثم جئت تريد قتلي؟!”، قال عمير: “أبا وهب، جُعلت فِداك!، جئتك من عند أبر الناس وأوصل الناس، وقد أمّنك -يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم-“، فقال صفوان: “لا والله لا أرجع معك حتى تأتيني بعلامة أعرفها!”، فانصرف عمير بن وهب راجعًا إلى مَكَّة يأتيه بعلامة أمان يرجع بها.
هروب عكرمة بن أبي جهل ومُلاحقة زوجته له بعد إسلامها
وفيه وصل عكرمة بن أبي جهل إلى الشُّعَيْبة أيضًا هاربًا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فوجد سفينة متجهة لليمن فركبها.
[^1]: انظر الملحق لتقدير تاريخ لحاق عمير بصفوان، وكان عُمير قد أسلم بعد بدر، إذ نذر أن يقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم انتقامًا لقومه فتكفل بمؤنته صفوان، فلمّا دخل المدينة المنورة ومعه السيف عرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم مُراده وأطلعه الله على أمره فقصّه عليه فأسلم مكانه ولم يعد لمكّة إلا بعد مُدّة.