وفي صبيحته اغتسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولبس ثوبين صُحاريَّين وركب ناقته القصواء من عند باب بيته، وخرج صلى الله عليه وآله وسلم …
ومعه ألف وأربعمائة من أهل المدينة ومن حولها، متجّها إلى مكّة المكرّمة في سلام وأمان بغرض العُمرَة، لا يُريد محاربة قريش، وقد أعلن ذلك، فأمر ألّا يُحمل السلاح، إلا سلاح المُسافر العادي -السُّيُوف في القُرُب واستعمل على المدينة نُميلة بن عبد الله الليثي، وعلى الصلاة بالناس عبد الله بن أم مكتوم في غيابه صلى الله عليه وآله وسلم.
وكانت الحرب بين المسلمين ومشركي قُريش سِجال، منذ معركة بدر التي نصر الله فيها المسلمين وَهُم قِلَّة، على كَثْرَةِ الُمشْرِكين، ثم أُحُد التي غزا فيها المشركون المدينة المنوَّرة انتقامًا لهزيمتهم في بدر، ثم الخندق التي كانت آخر المعارك والتي انتهت بفشل المشركين في الهجوم حتى على المدينة، وغيرها من المناوشات البينيّة والمعارك الفرعيَّة، دفاعًا من المُسلمين عن وجودهم بالجزيرة العربيّة وتأمينًا لطُرُقهم ومعاملاتهم، فلمّا كان هذا الفشل الذي تمكّن من أهل مكّة، وقوِيَ المسلمون وقوِيَ حُضَورُهم في جَزِيرة العَرَب، رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطرًا عسكريًا مُحدقًا بالمدينة يتزعّمه يهود خيبر، حيث كانوا يخططون لغزو المدينة المنوَّرة؛ وخيبر كانت مليئة بقِلاع اليهود الحصينة والعتاد العسكري الثقيل، الغير متوفر إلا عند اليهود كالمنجنيق والدَّبابات، فرأى النّبي صلى الله عليه وآله وسلم مُسالمة كُفّار قُريش في مَكّة، ليُؤَمِّن ظَهر المدينة إذا دقّت طبول الحرب بين المسلمين ويهود خيبر، فلا يهجم كفّار قريش من الجنوب، فيطوّقوا المسلمين في المدينة مع يهود خيبر من الشَمَال.
فدعا النبي صلى الله عليه وآله النَّاس للعُمْرَة وأعلن خروجه زائرًا ومُعظّمًا لبيت الله الحرام -الكعبة المُشَرَّفة- واستنفر الأعراب من القبائل حول المدينة ليخرجوا معه في رحلته السِّلْمِيَّة التي لا يريد فيها حرب أحد بل يريد زيارة البيت الحرام وأداء مناسك العُمْرَة، فلم يخرج من أولئك الأعراب أحد وتشاغلوا بأموالهم وأبنائهم -وهم قبائل بنو بكر، ومُزَيْنة، وجُهينة- وقالوا فيما بينهم:”أيريد محمد أن يغزوا بنا إلى قوم مُعدين مؤيدين في الكُراع-خيل الحرب- والسلاح!؟، وإنما محمد وأصحابه أكَلَة جَزور! لن يرجع محمد وأصحابه من سفرهم هذا أبدًا!…قوم لا سلاح معهم ولا عدد، وإنما يقدم على قوم حديث عهدهم بمن أصيب منهم ببدر!”.
فسار صلى الله عليه وآله وسلم على الطريق المسمى بطريق الشجرة، في اتجاه الجنوب الغربي حوالي 10 كم حتى وصل #~~~ذو الحُلَيفة~~~# بعد ساعتين ونصف في وقت الظهر تقريبًا عند مسجد الميقات في وادي العقيق بمنطقة “أبيار علي”، فصلى الظهر، ومازال المسجد موجودًا إلى الآن في نفس المكان وهو الميقات المكاني لإحرام أهل المدينة والمارّ عليها من غير أهل المدينة للحج أو العمرة.
وساق النبي صلى الله عليه وآله وسلم معه الهَدْي من المدينة، سبعين بَدَنة، فلمّا وصل ذا الحُليفة، أشْعَرَ بنفسه بَدَنة في جانِبها الأيمن وهي مُوَجَّهَة إلى القِبلة وأمر ناجية بن جُندب الأسلمي أن يُشعر ويُجَلِّل ما بَقِيَ منها ويُقَلِّد كل منها نعلًا في عنقها، وفيها جَمَل كان لأبي جهل غَنِمَه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منه في مَعرَكة بَدر الكُبرى جعله يرعى مع إِبِله ب#~~~ذي الجَدْر~~~#.
ودعا صلى الله عليه وآله وسلم بُسر بن سفيان الكعبي، وأرسله ليستطلع ما يدور في مكّة بعد أن وصلهم خبر خروج النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم للعُمْرَة، فقال له: “إن قُريشًا قد بلغها أنّي أريد العُمرة، فخبِّر لي خبرهم، ثم القني بما يكون منهم”، فتَقَدَّم بُسر من ذي الحُلَيْفَة ليسبق الركب ويستطلع الأخبار كما أمره النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبقي بذي الحُلَيْفَة حتى غربت الشمس.