واستدعى النبي صلى الله عليه وآله وسلم محمد بن مسلمة رضي الله عنه، وقال له: «لم تركت الطعام والشراب؟»، قال: “قلت يا رسول الله …
لك قولاً لا أدري أفي لك به أم لا! -أي أخاف ألا أوفي ما وعدتك به!-“، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إنما عليك بذل الجهد»، فقال: “يا رسول الله ائذن لنا أن نقول -ما نخدع به كعب استدراجًا له- [^1]”، فقال صلى الله عليه وآله وسلم «قولوا ما بدا لكم، فأنتم في حل من ذلك».
واجتمع لقتل كعب بن الأشرف خمس رجال من الأوس هم: محمد بن مسلمة، وأبو نائلة سِلكان بن سلامة وهو أخو كعب من الرضاعة، وعبّاد بن بشر، والحارس بن أوس بن معاذ، وأبو عبس بن جبر، ووضعوا خطّة.
فأرسلوا أبو نائلة سلكان بن سلامة إليه، وكان شاعرًا أيضًا، فتحدثا -أبو نائلة وكعب- في الشعر وأنشداه سويًا، ثم قال لكعب: “جئت إليك في حاجة ولكن عليك أن لا تخبر أحدًا بما سأقوله لك”، قال كعب: “قل!”، فأخبره أبو نائلة مخادعًا له: “كان قدوم هذا الرجل -يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم- علينا بلاء، عادتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة -اجتمعوا علينا-، وقطعت عنا السبيل حتى ضاع العيال وجهدت الأنفس وأصبحنا قد تعبنا وتعب عيالنا!”، فقال كعب: “أنا ابن الأشرف!، أما والله لقد كنت أخبرك يا ابن سلامة أن الأمر يصير إلى ما أقول”، فقال له سلكان: “إني قد أردت أن تبيعنا طعامًا ونرهنك ونوثق لك -نعطيك ضمانات للسداد-، وتُحسِن في ذلك”، قال كعب: “ترهنوني نسائكم وأبناءكم؟”، قال سلكان: “لقد أردت أن تفضحنا، إن معي أصحبًا لي على مثل رأيي وقد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم وتحسن في ذلك، ونرهنك من السلاح ما فيه وفاء -وأراد سلكان أن يسهل مهمة السرية بدخولها حصن كعب بالسلاح دون أن ينكر عليهم-“، قال كعب: “إن في الحلقة لوفاء”، ورجع سلكان إلى أصحابه فأخبرهم بما كان، وأمرهم أن يأخذوا السلاح، ثم ينطلقوا فيجتمعوا للخروج، وغربت الشمس قبل اجتماعهم.
[^1]: وحكاية ما يخالف الواقع أو الحقيقة مباحة في ثلاث مواطن؛ منها هذا وهو الحرب مع العدو، فإن الحرب خُدعة، ومنها في الإصلاح بين متخاصمين، ومنها في تطييب خاطر الزوجة.