وفي ليلته اجتمعت سرية محمد بن مسلمة وفيهم أبو نائلة سلكان بن سلامة قبل خروجهم لقتل كعب بن الأشرف عند النبي صلى الله …
عليه وآله وسلم، ومشى معهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى #~~~بقيع الغرقد~~~#، ثم وجّههم وقال: «انطلقوا على اسم الله، اللهم أعنهم»، ثم رجع صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيته، وكانت ليلة مقمرة.
وانطلقوا إلى #~~~حصن كعب بن الأشرف~~~#، فنادى عليه أبو نائلة، وكان كعب قد تزوج بامرأة حديثًا وهو بائت عندها، فلمّا سمع أبو نائلة وثب من فراشه، فأخذته امرأته ناحيتها وقالت: “أنت رجل محارب، وإن أصحاب الحرب لا ينزلون في هذه الساعة!”، قال: “إنه أبو نائلة، لو وجدني نائمًا ما أيقظني!”، قالت: “والله إني لأعرف في صوته الشرّ”، قال كعب: “لو دعي الفتى لطعنة أجاب!”، ونزل فتحدّث مع أبو نائلة ومن معه وساروا سويًا، ثم قالوا له: “ما رأيك أن نتماشى إلى #~~~شعب العجوز~~~# فنتحدث به بقية ليلتنا هذه؟”، قال كعب: “إن شئتم”، فخرجوا من الحصن يتماشون، ثم إن أبا نائلة وضع يده في رأس كعب وقال: “ما رأيت كالليلة عطرًا كالذي تضعه يا كعب!”، ثم بعد قليل فعل مثل ذلك حتى اطمأن لهم كعب، ثم مشوا قليلًا فعاد أبو نائلة ووضع يده في رأس كعب، وهذه المرّة أمسكها بيديه وقال لمن معه: “اضربوا عدو الله!”، فضربوا بأسيافهم فتضاربت فلم تصبه، فأخذ محمد بن مسلمة سيفه وقد صاح كعب صيحة أيقظت الحصون المجاورة كلها وأوقدوا فيها النار، فوضع محمد بن مسلمة السيف في بطن كعب حتى قتله، ووقع كعب وأصيب منهم الحارث بن أوس بجرح في رجله أو رأسه أصابته السيوف خطأ، وخرجوا عائدين، فتأخر عليهم الحارث ابن أوس فوقفوا ينتظرونه ووجدوه قد اتبع آثارهم وجرحه ينزف، فحملوه، وجاءوا به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم آخر الليل، وهو قائم يصلي، فسلموا عليه، فخرج إليهم، وأخبروه بقتل كعب بن الأشرف، فتفل صلى الله عليه وآله وسلم على جُرح الحارث بن أوس، ورجعوا جميعًا إلى بيوتهم.
ولمّا كان الصباح وانتشر الخبر في المدينة بمقتل كعب بن الأشرف ارتعب اليهود بما كان من جزاء الخائن لعهد المواطنة كعب بن الأشرف، وأمسك اليهود عن إيذاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين، وجاءوا فزعين إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا: “قد طُرق صاحبنا الليلة وهو سيد من سادتنا قُتل غيلة بلا جُرم ولا حدث علمناه!”، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إنه لو قرّ كما قرّ غيره ممن هو على مثل رأيه ما قتل، ولكنّه نال منّا الأذى وهجانا بالشعر، ولم يفعل هذا أحد منكم إلا كان له السيف»، ثم دعاهم صلى الله عليه وآله وسلم إلى كتابة عهد جديد وميثاق يلتزمون به، فكتبوا بينه وبينهم كتابًا في دار رملة بنت الحارث.