وفي ليلته أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم عبد الرحمن بن عوف أن يتحرَّك إلى #~~~دومة الجندل~~~# يدعوهم إلى الإسلام، …
فلمّا كان الفجر دخل عبد الله بن عُمر رضي الله عنه المسجد ليصلي الصبح مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم بقي بعد الصلاة جمع من المهاجرين فيهم أبو بكر وعُمَر وعبد الرحمن بن عوف، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعبد الرحمن بن عوف: «ما خلّفك عن أصحابك؟»، وقد مضى بقيّة أصحابه في السريّة وقت السَّحَر فعسكروا عند #~~~الجرف~~~#، وكانوا سبعمائة رجُل، فقال عبد الرحمن: “أحببت يا رسول الله أن يكون آخر عهدي بك، وعليّ ثياب سفري”، وعلى عبد الرحمن عمامة قد لفها على رأسه، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأقعده بين يديه، وفكّ عمامته بيده الشريفة، ثم عمّمه بعمامة سوداء، وأرخى طرفها بين كتفيه بيديه الشريفتين، ثم قال: «هكذا فاعتمّ يا ابن عوف»، ومعه سلاحه رضي الله عنه، فأوصاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «أُغزُ باسم الله، وفي سبيل الله، فقاتل من كفر بالله، لا تَغُلّ ولا تَغْدِر ولا تَقْتُل وليدًا، فإن استجابوا لك، فتزوّج ابنة ملكهم أو سيّدهم»، ثم بسط يده الشريفة فقال: «يا أيها الناس، اتقوا خمسًا قبل أن يحل بكم، وأعوذ بالله أن تدركونهن، إنه لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع، التي لم تكن في أسلافهم الذي مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلا أخذوا بالسّنين -الجوع والفقر-، وشدّة المؤنة، وجور السلطان، ونقص من الثمرات لعلهم يرجعون، وما منعوا الزكاة إلا أمسك الله عليهم قطر السماء، ولولا البهائم لم يُسقوا، ما نقضوا عهد الله ورسوله إلا سلط عليهم عدو من غيرهم، فأخذ بعض ما كان في أيديهم، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله، وتجبروا فيما أنزل الله إلا ألبسهم الله شيعًا، وأذاق بعضهم بأس بعض».
ثم خرج عبد الرحمن رضي الله عنه ومن معه فساروا حوالي 23 كم في أربع ساعات ونصف تقريبًا حتى وصلوا #~~~وادي النقمي~~~#، ثم حوالي 16 كم في ثلاث ساعات تقريبًا حتى وصلوا #~~~وادي مناة~~~# وصلوا الصلوات في الطريق وغربت الشمس وهم هناك.