وفي ليلته أمسى خالد بن الوليد ومن معه عند #~~~الغُمَيْصَاء~~~# وقد أرسلهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى بني جذيمة …
يدعونهم إلى الإسلام، ووصل الخبر إلى بني جذيمة بوصول خالد بن الوليد إليهم، قال أحدهم: “هذا خالد بن الوليد ومعه المسلمون”، قالوا: “ونحن قوم مسلمون قد صلينا وصدقنا بمحمد وبنينا المساجد وأذنّا فيها، فلمّا وصل خالد عندهم قال: “الإسلام”، قالوا: “نحن قوم مسلمون”، قال: “فما بال السلاح عليكم؟”، قالوا: “إن بيننا وبين قوم من العرب عداوة فخفنا أن تكونوا هم فأخذنا السلاح لندافع عن أنفسنا ممن خالف دين الإسلام”، قال خالد: “فضعوا السلاح”، فقال رجل منهم: “يا بني جذيمة إنه والله خالد، وما يطلب محمد من أحد أكثر من أن يقر بالإسلام، ونحن مقرون بالإسلام، وخالد لا يريد بنا ما يراد بالمسلمين، وإنه ما يقدر مع السلاح إلا الإسار، ثم بعد الإسار السيف”، قالوا: “نذكرك الله تسومنا، فرفض الرجل أن يلقي سيفه، حتى كلموه جميعًا فألقى سيفه، وقالوا: “إنا مسلمون والناس قد أسلموا، وفتح محمد مكة، فما نخاف من خالد؟”، فقال الرجل: “أما والله ليأخذنكم بما تعلمون من الأحقاد القديمة!”، فوضع بنو جذيمة السلاح، ثم قال لهم خالد: “استأسروا!”، فقال الرجل: “يا قوم ما يريد من قوم مسلمين يستأسروا إنما يريد ما يريد!، فقد خالفتموني وعصيتم أمري، وهو والله السيف!”، فاستأسر القوم، فأمر بعضهم يكتف بعضًا، فلمّا كتفوا أعطى كل واحد ممن معه في السريّة الرجل والرجلين من بني جذيمة موثوقين، فلما جاء وقت صلاة العشاء كلموا المسلمين فيصلون ثم يربطون، فلما كان وقت السحر والمسلمون قد اختلفوا بينهم، فقائل يقول: ما نريد بأسرهم؟!، نذهب بهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقائل يقول: “ننظر هل يسمعون أو يطيعون ونبلوهم-نسألهم- ونختبرهم”.
فلمّا كان وقت السحر نادى خالد بن الوليد: “من كان معه أسير فليجهز عليه بالسيف!”، فلمّا سمع بذلك المهاجرون والأنصار رفضوا، قال أبو أسيد الساعدي الأنصاري: “اتق الله يا خالد، والله ما كنا لنقتل قومًا مسلمين!”، قال خالد: “وما يدريك؟”، قال أبو أسيد: “نسمع إقرارهم بالإسلام وهذه المساجد بساحتهم”، واغتاظ خالد منهم، فأمّا بنو سُلَيْم فقتلوا كل من كان في أيديهم، وأما المهاجرون والأنصار فأطلقوا أسراهم وقالوا: “اذهبوا حيث شئتم!”، يقول ابن عمر وكان معهم فأطلق أسيره: “وما أحب أني قتلته وأن لي ما طلعت عليه الشمس، أو غربت!”، وأخرج رجل من الأنصار سيفه ليقتل أسيره، فقال له الأسير: “يا أخا الأنصار، إن هذا لا يفوتك، انظر قومك…”، قال الأنصاري: “فنظرت فإذا الأنصار قد أطلقوا أسراهم، فقلت: انطلق حيث شئت”، فقال الرجل: “بارك الله عليكم، ولكن من كان أقرب رحِمًا منكم قتلونا -بني سُلَيْم-“. وكانت بنو سُلَيْم متغيظين على بنو جذيمة وبينهم حروب قبل الإسلام واستغلّوها فرصة فقتلوا من قتلوا.