وأما وفور عقله صلّى الله عليه وسلّم، …
وذكاء لبه، وقوة حواسه، وفصاحة لسانه، واعتدال حركاته، وحسن شمائله، فلا مرية أنه كان أعقل الناس وأذكاهم، ومن تأمّل تدبيره أمر بواطن الخلق وظواهرهم، وسياسته للعامة والخاصة، مع عجيب شمائله، وبديع سيره، فضلا عمّا أفاد من العلم، وقرّره من الشرع، دون تعلّم سبق، ولا ممارسة تقدّمت، ولا مطالعة للكتب منه، لم يمتر في رجحان عقله، وثقوب فهمه لأول بديهة؛ وكان عليه الصلاة والسلام إذا قام في الصلاة يرى من خلفه كما يرى من بين يديه. وبذلك فسّر قوله تعالى {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 219].
وقالت عائشة: كان عليه الصلاة والسلام يرى في الظلمة كما يرى في الضوء، وكان يعدّ في الثّريا أحد عشر نجما. وجاءت الأخبار أنه صرع ركانة أشدّ أهل وقته، وكان دعاه إلى الإسلام. وقال أبو هريرة: ما رأيت أحدا أسرع من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مشيه كأنما الأرض تطوى له إنا لنجهد أنفسنا وهو غير مكترث وفي صفته عليه الصلاة والسلام أن ضحكه كان تبسما، إذا التفت التفت معا، وإذا مشى مشى تقلّعا كأنما ينحطّ من صبب.