وبعد بضعة عشرة ليلة جاءه صلّى الله عليه وسلّم وفد هوازن يرأسهم زهير بن صرد وقالوا: …
يا رسول الله إن فيمن أصبتم الأمهات والعمّات والخالات، وهنّ مخازي الأقوام، ونرغب إلى الله وإليك يا رسول الله، وقال زهير أن في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك، ثم قال أبياتا يستعطفه بها:
امنن علينا رسول الله في كرم ** فإنك المرء نرجوه وننتظر
امنن على نسوة قد كنت ترضعها ** إذ فوك مملوءة من مخضها الدّرر
انّا لنشكر للنعماء إن كفرت ** وعندنا بعد هذا اليوم مدّخر
انّا نؤمّل عفوا منك نلبسه ** هذي البريّة أن تعفو وتنتصر
فالبس العفو من قد كنت ترضعه ** من أمهاتك إنّ العفو مشتهر
فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إن أحبّ الحديث إليّ أصدقه، فاختاروا إحدى الطائفتين أما السبي وإما المال. وقد كنت انتظرتكم حتى ظننت أنكم لا تقدمون»، فقالوا: ما كنا نعدل بالأحساب شيئا، أردد علينا نساءنا وأبناءنا فهو أحب إلينا، ولا نتكلم في شاة ولا بعير، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «أما مالي ولبني عبد المطلب فهو لكم، فإذا أنا صليت الظهر فقوموا وقولوا: نحن نستشفع برسول الله إلى المسلمين وبالمسلمين إلى رسول الله بعد أن تظهروا إسلامكم وتقولوا: نحن إخوانكم في الدّين» ، ففعلوا. فقال صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «أما بعد فإنّ إخوانكم هؤلاء جاؤوا تائبين، وإني قد رأيت أن أردّ عليهم سبيهم، فمن أحب أن يطيب بذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل»، فقال المهاجرون والأنصار: ما كان لنا فهو لرسول الله. وامتنع من ذلك جماعة من الأعراب كالأقرع بن حابس وعيينة بن حصن والعباس بن مرداس، فأخذه الرسول منهم قرضا، وأمر صلّى الله عليه وسلّم بأن تحبس عائلة مالك بن عوف النصري رئيس تلك الحرب بمكّة عند عمتهم أمّ عبد الله بن أمية. فقال له الوفد: أولئك سادتنا، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إنما أريد بهم الخير»، ثم سأل عن مالك فقالوا: هرب مع ثقيف، فقال: «أخبروه أنه إن جاءني مسلما رددت عليه أهله وماله وأعطيته مائة من الإبل»، فلمّا بلغ ذلك مالكا نزل من الحصن خفية حتى أتى رسول الله بالجعرانة فأسلم وأحرز ماله، واستعمله عليه الصلاة والسلام على من أسلم من هوازن.