وقد وفد على الرسول بعد الخروج من الشِّعب وفد من نصارى نجران بلغهم خبرُهُ من مهاجري الحبشة، …
فسارعوا بالقدوم عليه حتى يروا صفاته مع ما ذكر منها في كتبهم، وكانوا عشرين رجلاً أو قريباً من ذلك، فقرأ عليهم القرآن فآمنوا كلهم، فقال لهم أبو جهل: ما رأينا ركباً أحمق منكم، أرسلكم قومكم تعلمون خبر هذا الرجل فصبأتم فقالوا: سلام عليكم لا نجاهلكم، لكم ما أنتم عليه ولنا ما اخترناه، فأنزل الله في ذلك قوله في سورة القصص: {الَّذِينَ ءاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ(52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُواْ ءامَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبّنَآ إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ(53) أُوْلَئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(54) وَإِذَا سَمِعُواْ اللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِى الْجَاهِلِينَ} [القصص: 52-55]. وقد كان أهل مكة حينما عجزوا عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتمكنوا من مقارعة الحجة بالحجة رموه بالسحر مرة، وبالكذب أخرى، وبالجنون طوراً، وبالكهانة تارة. كل ذلك شأن العاجز المُعاند الذي لا يستحي لمزيد عِناده أن يقول: {اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَاذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السَّمَآء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32].