ومن الوفود عبد القيس، …
وكان من خبرهم أن الرسول كان جالسا بين أصحابه يوما، فقال لهم: “سيطلع عليكم من هنا ركب هم خير أهل المشرق، لم يكرهوا على الإسلام، قد أنضوا الركائب وأفنوا الزاد، اللهم اغفر لعبد القيس” فلمّا أتوا ورأوا النبي صلّى الله عليه وسلّم رموا بأنفسهم عن الركائب بباب المسجد، وتبادروا إلى رسول الله يسلمون عليه، وكان فيهم عبد الله بن عوف الأشج، وكان أصغرهم سنّا فتخلّف عند الركائب حتى أناخها وجمع المتاع، وأخرج ثوبين أبيضين فلبسهما، ثم جاء يمشي هونا حتى سلّم على رسول الله، وكان رجلا دميما ففطن لنظر الرسول إلى دمامته، فقال يا رسول الله: إنه لا يستقى في مسوك جلود الرجال، وإنما الرجل بأصغريه قلبه ولسانه، فقال صلّى الله عليه وسلّم: “إنّ فيك خلتين يحبّهما الله ورسوله: الحلم والأناة“. وقد قال صلّى الله عليه وسلّم لهذا الوفد: “مرحبا بالقوم غير خزايا ولا ندامى“، فقالوا: يا رسول الله إنّا نأتيك من شقّة بعيدة وإنه يحول بيننا وبينك هذا الحيّ من كفار مضر، وإنّا لا نصل إليك إلّا في شهر حرام فمرنا بأمر فصل، فقال: “امركم بالإيمان بالله. أتدرون ما الإيمان بالله. شهادة ألاإله إلّا الله وأن محمّدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس، وأنهاكم عن الدّباء والحنتم والنقير والمزفت” والمراد بذلك ما ينبذ في هذه الأواني. فقال الأشج: يا رسول الله إن أرضنا ثقيلة وخمة وإنّا إذا لم نشرب هذه الأشربة عظمت بطوننا، فرخص لنا في مثل هذه وأشار إلى يده، فأومأ عليه الصلاة والسلام بكفيه وقال: “يا أشج إن رخصت لك في مثل هذه شربته في مثل هذه- وفرج بين يديه وبسطها- حتى إذا ثمل أحدكم من شرابه قام إلى ابن عمه فضرب ساقه بالسيف” . وإنما خصّ عليه الصلاة والسلام نهيهم بما ذكر لكثرة الأشربة بينهم.