وقد بلغ من خوفهم، أن كان رئيسهم أبو سفيان يقول لهم: ليتعرَّف كلٌّ منكم أخاه، وليمسك بيده حذراً من أن يدخل بينكم عدو، وقد حلّ عقَالَ بعيره يريد أن يبدأ بالرحيل، فقال له صفوان بن أمية: …
إنَّك رئيس القوم فلا تتركهم وتمضي، فنزل أبو سفيان وأذن بالرحيل، وترك خالدبن الوليد في جماعة ليحموا ظهور المرتحلين حتى لا يدهموا من ورائهم، وأزاح الله عن المسلمين هذه الغمّة التي تحزّب فيها الأحزاب من عرب ويهود على المسلمين، ولولا لطف الله وعنايته بهذا الدين مِنَّةً منه وفضلاً لساءت الحال.
وكان جلاء الأحزاب في ذي القعدة، وكان حقّاً على الله أن يسمّيه نعمة بقوله في سورة الأحزاب: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً(9) إِذْ جَآءوكُمْ مّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الاْبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَاْ(10) هُنَالِكَ ابْتُلِىَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً(11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً(12) وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مّنْهُمْ ياأَهْلَ .يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُواْ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مّنْهُمُ النَّبِىَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِىَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً} [الأحزاب: 9- 13].