وبهذه الهجرة تمّت لرسولنا صلى الله عليه وسلم سُنَّةُ إخوانه من الأنبياء من قبله، …
فما من نبي منهم إلا نَبَتْ به بلاد نشأته، فهاجر عنها، من إبراهيم أبي الأنبياء، وخليل الله، إلى عيسى كلمة الله وروحه، كلهم على عظيم درجاتهم ورفعة مقامهم أهينوا من عشائرهم، فصبروا ليكونوا مثالاً لمن يأتي بعدهم من متّبعيهم في الثبات والصبر على المكاره ما دام ذلك في طاعة الله. فَسَلْ مصر وتاريخها تُنبئك عن إسرائيل (يعقوب) وبنيه أنهم هاجروا إليها حينما رأوا من بَنِيها ترحيباً بهم، وتركهم وما يعبدون إكراماً ليوسف وحكمته. ولما مضت سنون، نسي فيها المصريون تدبير يوسف وفضله عليهم، فاضطهدوا بني إسرائيل وآذوهم، خرج بهم موسى وهارون ليتمكنوا من إعطاء الله حقه في عبادته، وهرب المسيح عليه السلام من اليهود حينما كذَّبوه، فأرادوا الفتك به حتى كان من ضمن تعاليمه لتلاميذه: طوبى للمطرودين من أجل البر لأن لهم ملكوت السموات ثم قال بعد: افرحوا وتهلّلوا لأن أجركم عظيم في السموات فإنهم طردوا الأنبياء الذين قبلكم. وسَل القرى التي حلّت بها نقمة الله بكفر أهلها كديار لوط وعاد وثمود تنبئك عن مُهَاجَرة الأنبياء منها قبل حلول النقمة، فلا غرابة أن هاجر عليه الصلاة والسلام من بلاد منعه أهلها من تتميم ما أراده الله {سُنَّةَ اللَّهِ فِى الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب: 62].