مَاتَ أَبُو طَالب فِي السّنة الْعَاشِرَة من البَعْث، وَقيل: فِي التَّاسِعَة بعد الْخُرُوج من الشِّعْب، وَله سبعٌ وَثَمَانُونَ سنة …
وَمَاتَتْ خَدِيجَة، فنالت قريشٌ من النبيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مَا لم تكن تَنال فِي حَيَاة أبي طَالب. فَخرج إِلَى الطَّائِف، هُوَ وَزيد بن حَارِثَة، وَذَلِكَ فِي ليالٍ بَقينَ من شَوَّال سنة عشرٍ. من النبوَّة، وَقيل: غير ذَلِك. فَأَقَامَ بِالطَّائِف لَا يَدَعُ أحدا من أَشْرَافهم إلاّ جَاءَهُ وكلَّمه، فَلم يُجيبوه، وخافوا على أحداثهم، وَقَالُوا: يَا مُحَمَّد أُخرج من بَلدنا. وأَغروا بِهِ سفهاءهم، فَجعلُوا يَرمونه بِالْحِجَارَةِ، حَتَّى إنَّ رِجْلَيْ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لَتدْمَيَان، وَزيد بن حَارِثَة يَقيهِ بِنَفسِهِ. حَتَّى لقد شُجَّ فِي رَأسه شِجاجاً. فَانْصَرف رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من الطَّائِف رَاجعا إِلَى مَكَّة وَهُوَ محزونٌ. فَلَمَّا نزل نَخلَةَ قَامَ يصلِّي من اللَّيْل فصُرِف إِلَيْهِ نفرٌ من الجِنِّ سبعةٌ من أهل نَصِيبِين فَاسْتَمعُوا الْقُرْآن وَهُوَ يقرأُ سُورَة الجِنِّ، وَلم يَشعر بهم رسولُ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حَتَّى نزل عَلَيْهِ {وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ} [الأحقاف: 29] وأسْلَموا.
وَأقَام بنخلَة أيّاماً ثمَّ أَرَادَ الرُّجُوع إِلَى مكةَ، فَقَالَ لَهُ زيد بن حَارِثَة: كَيفَ تدخُل عَلَيْهِم وهم أَخرجوك؟ فَقَالَ: «يَا زيد، إنَّ الله جاعلٌ لِما ترى فَرَجَاً ومَخْرَجاً، وإنَّ الله ناصرُ دينه، ومُظهر نبيّه» ثمَّ سَار إِلَى حِراء فَأرْسل رجلا من خُزَاعة إِلَى مُطْعِم بن عَديّ: أَدخُلُ فِي جوارك؟ فَقَالَ: نعم، ودعا بَنيهِ وقومَه، وَقَالَ: البسوا السلاحَ، وَكُونُوا عِنْد أَرْكَان الْبَيْت، فَإِنِّي قد أَجرْتُ محمَّداً. فَدخل رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَمَعَهُ زيد بن حَارِثَة حَتَّى انْتهى إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام، فَقَامَ مُطعم بن عَديّ على رَاحِلَته فَنَادَى: يَا معشرَ قريشٍ، إِنِّي قد أَجرتُ محمّداً فَلَا يَهِجْه أَحدٌ مِنْكُم. فَانْتهى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى الرُّكْن فاستلمه، وصلَّى رَكْعَتَيْنِ وَانْصَرف إِلَى بَيته، ومُطِعم بن عَديّ وَولده مُطيفون بِهِ.