وأما كلامه المعتاد، وفصاحته المعلومة، …
وجوامع كلمه، وحكمه المأثورة، فقد ألف الناس فيها الدواوين، وجمعت في ألفاظها ومعانيها الكتب، ومنها ما لا يوازى فصاحة ولا يبارى بلاغة. كقوله: “المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم“. وقوله: “الناس كأسنان المشط“، و “المرء مع من أحبّ“، و “لا خير في صحبة من لا يرى لك ما ترى له“و “الناس معادن” و “ما هلك امرؤ عرف قدره” و “المستشار مؤتمن“، و “رحم الله عبدا قال خيرا فغنم، أو سكت فسلم” وقوله: “أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرّتين“. “وإن أحبكم إليّ وأقربكم مني مجالس يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون“. وقوله: “لعلّه كان يتكلّم بما لا يعنيه، ويبخل بما لا يغنيه“، وقوله: “ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها“. ونهيه عن “قيل وقال، وكثرة السّؤال، وإضاعة المال، ومنع وهات، وعقوق الأمهات، ووأد البنات”، وقوله: “اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن” و “خير الأمور أوساطها” وقوله: “أحبب حبيبك هونا مّا، عسى أن يكون بغيضك يوما مّا“، وقوله: “الظلم ظلمات يوم القيامة“.
وقوله في بعض دعائه: “اللهم إني أسألك رحمة تهدي بها قلبي، وتجمع بها أمري، وتلمّ بها شعثي، وتصلح بها غائبي، وترفع بها شاهدي، وتزكي بها عملي، وتلهمني بها رشدي، وترد بها ألفتي، وتعصمني بها من كل سوء، اللهم! إني أسألك الفوز في القضاء، ونزل الشهداء، وعيش السّعداء، والنّصر على الأعداء“. إلى غير ذلك مما روته الكافّة عن الكافّة من مقاماته، ومحاضراته، وخطبه، وأدعيته، ومخاطباته، وعهوده، مما لا خلاف أنه نزل من ذلك مرتبة لا يقاس بها غيره، وحاز سبقا لا يقدر قدره. وقد قال أصحابه: ما رأينا الذي هو أفصح منك، فقال: “وما يمنعني؟ وإنما نزل القران بلساني، لسان عربي مبين“. وقال مرة أخرى: “أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريش، ونشأت في بني سعد“. جمع بذلك قوة عارضة البادية وجزالتها، ونصاعة ألفاظ الحاضرة، ورونق كلامها، إلى التأييد الإلهي الذي مدده الوحي الذي لا يحيط بعلمه بشر.