ولما انتصر المسلمون ببدر، ورأى الأسرى مقرَّنينَ في الحبال خرج إلى قريش يبكي قتلاهم …
ويحرِّضهُم على حرب المسلمين، فقال عليه الصلاة والسلام: «من لكعب بن الأشرف، فإنه قد آذى الله ورسوله؟» فقال محمد بن مسلمة الأنصاري الأوسي: أتحِبُّ أن أقتله؟ قال: «نعم»، قال: أنا لك به، وائذنْ لي أقول شيئاً أتمكن به، فأذن له، ثم خرج ومعه أربعة من قومه حتى أتى كعباً فقال له: إن هذا الرجل ــــ يريد رسول الله ــــ قد سألنا صدقة وإنه قد عَنَّانا، وإني قد أتيتك أستسلفك، قال: وأيضاً والله لتملّنهُ، قال: إنا قد اتّبعناه، فلا نحبُّ أن ندعه حتى ننظر إلى أيّ شيء يصير شأنه، وقد أردنا أن تُسْلِفنا وسْقاً أو وسقين. قال: نعم ولكن ارْهَنُوني. قالوا: أي شيء تُريد؟ قال: ارهنوني نساءكم، قالوا: كيف نَرْهَنُك نساءنا وأنت أجمل العرب؟ قال: فارهنوني أبناءكم. قالوا: كيف نرهنك أبناءنا فَيُسَبُّ أحدهم، فيقال: رُهن بوسق أو وسقين؟ هذا عار علينا، ولكن نرهنك اللأْمَةَ ــــ يعني: السلاح ــــ فرضي، فواعده ليلاً أن يأتيه فجاءه ليلاً ومعه أبو نائلة أخو كعب من الرضاع وعبَّاد بن بِشر، والحارث بن أوس، وأبو عبس ابنُ جَبْر ــــ وكلهم أوسيّون ــــ فناداه محمد بن مسلمة، فأراد أن ينزلَ، فقالت له امرأته: أين تخرج الساعة وإنك امرؤ مُحارب؟ فقال: إنما هو ابن أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة، إن الكريم لو دُعي إلى طعنة بليل لأجاب. ثم قال محمد لمن معه: إذا جاءني فإني آخذ بشعره فأشَمُّهُ، فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فاضربوه، فنزل إليهم كعب متوشِّحاً سيفه، وهو يَنْفَحُ منه ريح المسك. فقال محمد: ما رأيت كاليوم ريحاً أطيب، أتأذن لي أن أَشمَّ رأسك؟ قال: نعم فشمَّه، فلما استمكن منه قال: دونكم فاقتلوه ففعلوا، وأراح الله المسلمين من شر أعماله التي كان يقصدها بهم، ثم أتوا النبي فأخبروه، وكان قتل هذا الشقي في ربيع الأول من هذا العام، وكان عليه الصلاة والسلام إذا رأى من رئيس غدراً، ومقاصد سوء، ومحبة لإثارة الحرب، أرسل له من يُريحه من شرّه. وقد فعل كذلك مع أبي عَفَك اليهودي وكان مثل كعب في الشر.