ولد صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول، وقيل: ثامنه، وقيل عاشره، وقيل لثنتي عشرة منه، وقال الزبير بن بكار: ولد في رمضان، وهو شاذ، حكاه السهيلي في روضه …
وذلك عام الفيل، بعده بخمسين يوماً، وقيل بثمانية وخمسين يوماً، وقيل بعده بعشر سنين، وقيل: بعد الفيل بثلاثين عاماً، وقيل: بأربعين عاماً،والصحيح أنه ولد عام الفيل، وقد حكاه إبراهيم بن المنذر الحزامي شيخ البخاري، وخليفة بن خياط وغيرها إجماعاً.
ومات أبوه وهو حمل، وقيل بعد ولادته بأشهر، وقيل بسنة، وقيل بسنتين، والمشهور الأول، واسترضع له في بني سعد، فأرضعته حليمة السعدية كما روينا ذلك بإسناد صحيح، وأقام عندها في بني سعد نحواً من أربع سنين، وشق عن فؤاده هناك، فردته إلى أمه، فخرجت به أمه إلى المدينة تزور أخواله بالمدينة، فتوفيت بالأبواء، وهي راجعة إلى مكة وله من العمر ست سنين وثلاثة أشهر وعشرة أيام، وقيل: بل أربع سنين وقد روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مر بالأبواء وهو ذاهب إلى مكة عام الفتح استأذن ربه في زيارة قبر أمه فأذن له، فبكى وأبكى من حوله وكان معه ألف مقنع يعني بالحديد .
فلما ماتت أمه حضنته أم أيمن وهي مولاته، ورثها من أبيه، وكفله جده عبد المطلب، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من العمر ثماني سنين توفي جده، وأوصى به إلى عمه أبي طالب، لأنه كان شقيق فكفله، وحاطه أتم حياطة، ونصره حين بعثه الله أعز نصر، مع أنه كان مستمراً على شركه إلى أن مات، فخفف الله بذلك من عذابه كما صح الحديث بذلك.
وخرج به عمه إلى الشام في تجارة وهو ابن ثنتي عشرة سنة، وذلك من تمام لطفه به، لعدم من يقوم إذا تركه بمكة، فرأى هو وأصحابه ممن خرج معه إلى الشام من الآيات فيه صلى الله عليه وسلم ما زاد عمه في الوصاة به والحرص عليه، كما رواه الترمذي في جامعه بإسناد رجاله كلهم ثقات، من تظليل الغمامة له وميل الشجرة بظلها عليه، وتبشير بحيرا الراهب به، وأمره لعمه بالرجوع به لئلا يراه اليهود فيرمونه سوءاً، والحديث له أصل محفوظ وفيه زيادات أخر ز ثم خرج ثانياً إلى الشام في تجارة لخديجة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها مع غلامها ميسرة على سبيل القراض، فرأى ميسرة ما بهره من شأنه، فرجع فأخبر سيدته بما رأى، فرغبت إليه أن يتزوجها، لما رجت في ذلك من الخير الذي جمعه الله لها، وفوق ما يخطر ببال بشر، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وله خمس وعشرون سنة.
وكان الله سبحانه قد صانه وحماه من صغره، وطهره من دنس الجاهلية ومن كل عيب، ومنحه كل خلق جميل حتى لم يكن يعرف بين قومه إلا بالأمين، لما شاهدوا من طهارته وصدق حديثه وأمانته، حتى إنه لما بنت قريش الكعبة في سنة خمس وثلاثين من عمره فوصلوا إلى موضع الحجر الأسود اشتجروا فيمن يضع الحجر موضعه، فقالت كل قبيلة: نحن نضعها، ثم اتفقوا على أن يضعه أول داخل عليهم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: جاء الأمين، فرضوا به، فأمر بثوب، فوضع الحجر في وسطه، وأمر كل قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب، ثم أخذا الحجر فوضعه موضعه صلى الله عليه وسلم.