قالوا: وقصد الحكم بْن عمرو التغلبي لمكران، حتى انتهى إليها، ولحق به شهاب بْن المخارق بْن شهاب، فانضم إليه، وأمده سهيل بْن عدي، …
وعبد اللَّه بْن عبد اللَّه بْن عتبان بأنفسهما، فانتهوا إلى دوين النهر، وقد انفض أهل مكران إليه حتى نزلوا على شاطئه، فعسكروا، وعبر إليهم راسل ملكهم ملك السند، فازدلف بهم مستقبل المسلمين.
فالتقوا فاقتتلوا بمكان من مكران من النهر على أيام، بعد ما كان قد انتهى إليه أوائلهم، وعسكروا به ليلحق أخراهم، فهزم اللَّه راسل وسلبه، وأباح المسلمين عسكره، وقتلوا في المعركة مقتلة عظيمة، وأتبعوهم يقتلونهم أياما، حتى انتهوا إلى النهر ثم رجعوا فأقاموا بمكران.
وكتب الحكم إلى عمر بالفتح، وبعث بالأخماس مع صحار العبدي، واستأمره في الفيلة، فقدم صحار على عمر بالخبر والمغانم، فسأله عمر عن مكران- وكان لا يأتيه أحد إلا سأله عن الوجه الذي يجيء منه- فقال: يا أمير المؤمنين، أرض سهلها جبل، وماؤها وشل، وتمرها دقل، وعدوها بطل، وخيرها قليل، وشرها طويل، والكثير بها قليل، والقليل بها ضائع، وما وراءها شر منها فقال: أسجاع أنت أم مخبر؟
قال: لا بل مخبر، قال: لا، والله لا يغزوها جيش لي ما أطعت، وكتب إلى الحكم بْن عمرو وإلى سهيل ألا يجوزن مكران أحد من جنودكما، واقتصرا على ما دون النهر، وأمره ببيع الفيلة بأرض الإسلام، وقسم أثمانها على من أفاءها اللَّه عليه.
وقال الحكم بْن عمرو في ذلك:
لقد شبع الأرامل غير فخر *** بفيء جاءهم من مكران
أتاهم بعد مسغبة وجهد*** وقد صفر الشتاء من الدخان
فإني لا يذم الجيش فعلي *** ولا سيفي يذم ولا سناني
غداة أدفع الأوباش دفعا *** إلى السند العريضة والمداني
ومهران لنا فيما أردنا *** مطيع غير مسترخي العنان
فلولا ما نهى عنه أميري *** قطعناه إلى البدد الزواني