وفي هذه السنة- أعني سنة سبع عشرة-فتحت سوق الأهواز ومناذر ونهر تيرى في قول بعضهم، …
وفي قول آخرين: كان ذلك في سنة ست عشرة من الهجرة.
ذكر الخبر عن سبب فتح ذلك وعلى يدي من جرى:
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، يَذْكُرُ أَنَّ شُعَيْبًا حَدَّثَهُ عَنْ سَيْف بْن عمر، عن مُحَمَّد وطلحة والمهلب وعمرو، قالوا: كان الهرمزان أحد البيوتات السبعة في أهل فارس، وكانت امته مهرجانقذق وكور الأهواز، فهؤلاء بيوتات دون سائر أهل فارس، فلما انهزم يوم القادسية كان وجهه إلى أمته، فملكهم وقاتل بهم من أرادهم، فكان الهرمزان يغير على أهل ميسان ودستميسان من وجهين، من مناذر ونهر تيرى، فاستمد عتبة بْن غزوان سعدا، فأمده سعد بنعيم بْن مقرن ونعيم بْن مسعود، وأمرهما أن يأتيا أعلى ميسان ودستميسان حتى يكونا بينهم وبين نهر تيرى ووجه عتبة ابن غزوان سلمى بْن القين وحرملة بْن مريطة- وكانا من المهاجرين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما من بني العدوية من بني حنظلة- فنزلا على حدود أرض ميسان ودستميسان، بينهم وبين مناذر، ودعوابنى العم، فخرج إليهم غالب الوائلي وكليب بْن وائل الكلينى، فتركا نعيما ونعيما ونكبا عنهما، وأتيا سلمى وحرملة، وقالا: أنتما من العشيرة، وليس لكما مترك، فإذا كان يوم كذا وكذا فانهدا للهرمزان، فإن أحدنا يثور بمناذر والآخر بنهر تيرى، فنقتل المقاتلة، ثم يكون وجهنا إليكم، فليس دون الهرمزان شيء إن شاء اللَّه ورجعا وقد استجابا واستجاب قومهما بنو العم بْن مالك.
قال: وكان من حديث العمي، والعمي مرة بْن مالك بْن حنظلة بْن مالك بْن زيد مناة بْن تميم- أنه تنخت عليه وعلى العصية بن امرئ القيس أفناء معد فعماه عن الرشد من لم ير نصره فارس على آل اردوان، فقال في ذلك كعب بْن مالك أخوه- ويقال: صدي بْن مالك:
لقد عم عنها مرة الخير فانصمى *** وصم فلم يسمع دعاء العشائر
ليتنخ عنا رغبة عن بلاده *** ويطلب ملكا عاليا في الأساور
فبهذا البيت سمي العم، فقيل بنو العم، عموه عن الصواب بنصره أهل فارس كقول اللَّه تبارك وتعالى: {فَعَمُواْ وَصَمُّواْ} [المائده: 71]، وقال يربوع بْن مالك:
لقد علمت عليا معد بأننا *** غداة التباهي غر ذاك التبادر
تنخنا على رغم العداه ولم ننخ *** بحي تميم والعديد الجماهر
نفينا عن الفرس النبيط فلم يزل *** لنا فيهم إحدى الهنات البهاتر
إذا العرب العلياء جاشت بحورها *** فخرنا على كل البحور الزواخر
وقال أيوب بْن العصية بْن امرئ القيس:
لنحن سبقنا بالتنوخ القبائلا *** وعمدا تنخنا حيث جاءوا قنابلا
وكنا ملوكا قد عززنا الأوائلا *** وفي كل قرن قد ملكنا الحلائلا
فلما كانت تلك الليلة ليلة الموعد من سلمى وحرملة وغالب وكليب، والهرمزان يومئذ بين نهر تيرى بين دلث، خرج سلمى وحرمله صبيحتها في تعبئة، وأنهضا نعيما ونعيما فالتقوا هم والهرمزان بين دلث ونهر تيرى، وسلمى ابن القين على أهل البصرة، ونعيم بْن مقرن على اهل الكوفه فاقتتلوا فبيناهم في ذلك أقبل المدد من قبل غالب وكليب، وأتى الهرمزان الخبر بأن مناذر ونهر تيرى قد أخذتا، فكسر اللَّه في ذرعه وذرع جنده، وهزمه وإياهم، فقتلوا منهم ما شاءوا، وأصابوا منهم ما شاءوا، وأتبعوهم حتى وقفوا على شاطئ دجيل، وأخذوا ما دونه، وعسكروا بحيال سوق الأهواز، وقد عبر الهرمزان جسر سوق الأهواز، وأقام بها، وصار دجيل بين الهرمزان وحرملة وسلمى ونعيم ونعيم وغالب وكليب.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عن عبد اللَّه بْن المغيرة العبدي، عن رجل من عبد القيس يدعى صحارا، قال: قدمت على هرم ابن حيان- فيما بين الدلوث ودجيل- بجلال من تمر، وكان لا يصبر عنه، وكان جل زاده إذا تزود التمر، فإذا فني انتخب له مزاود من جلال وهم ينفرون فيحملها فيأكلها ويطعمها حيثما كان من سهل أو جبل.
قالوا: ولما دهم القوم الهرمزان ونزلوا بحياله من الأهواز رأى ما لا طاقة له به، فطلب الصلح، فكتبوا إلى عتبة بذلك يستأمرونه فيه، وكاتبه الهرمزان، فأجاب عتبة الى ذلك على الاهواز كلها ومهرجانقذق، ما خلا نهر تيرى ومناذر، وما غلبوا عليه من سوق الأهواز، فإنه لا يرد عليهم ما تنقذنا.
وجعل سلمى بْن القين على مناذر مسلحة وأمرها إلى غالب، وحرملة على نهر تيرى وأمرها إلى كليب، فكانا على مسالح البصرة وقد هاجرت طوائف بني العم، فنزلوا منازلهم من البصرة، وجعلوا يتتابعون على ذلك، وقد كتب بذلك عتبة إلى عمر، ووفد وفدا منهم سلمى، وأمره أن يستخلف على عمله، وحرملة- وكانا من الصحابة- وغالب وكليب، ووفد وفود من البصرة يومئذ، فأمرهم أن يرفعوا حوائجهم، فكلهم قال: أما العامة فأنت صاحبها، ولم يبق إلا خواص أنفسنا، فطلبوا لأنفسهم، إلا ما كان من الأحنف ابن قيس، فإنه قال: يا أمير المؤمنين، إنك لكما ذكروا، ولقد يعزب عنك ما يحق علينا إنهاؤه إليك مما فيه صلاح العامة، وإنما ينظر الوالي فيما غاب عنه بأعين أهل الخبر، ويسمع بآذانهم، وإنا لم نزل ننزل منزلا بعد منزل حتى أرزنا إلى البر، وإن إخواننا من أهل الكوفة نزلوا في مثل حدقة البعير الغاسقة، من العيون العذاب، والجنان الخصاب، فتأتيهم ثمارهم ولم تُخْضَدْ، وإنا معشر أهل البصرة نزلنا سبخة هشاشة، زعقة نشاشة، طرف لها في الفلاة وطرف لها في البحر الأجاج، يجري إليها ما جرى في مثل مريء النعامة دارنا فعمة، ووظيفتنا ضيقة، وعددنا كثير، وأشرافنا قليل، وأهل البلاء فينا كثير، ودرهمنا كبير، وقفيزنا صغير، وقد وسع اللَّه علينا، وزادنا في أرضنا، فوسع علينا يا أمير المؤمنين، وزدنا وظيفة توظف علينا، ونعيش بها فنظر إلى منازلهم التي كانوا بها إلى أن صاروا إلى الحجر فنفلهموه وأقطعهموه، وكان مما كان لآل كسرى، فصار فيئا فيما بين دجلة والحجر، فاقتسموه، وكان سائر ما كان لآل كسرى في أرض البصرة على حال ما كان في أرض الكوفة ينزلونه من أحبوا، ويقتسمونه بينهم، لا يستأثرون به على بدء ولا ثنى، بعد ما يرفعون خمسة إلى الوالي فكانت قطائع أهل البصرة نصفين: نصفها مقسوم، ونصفها متروك للعسكر وللاجتماع، وكان أصحاب الألفين ممن شهد القادسية ثم أتى البصرة مع عتبة خمسة آلاف، وكانوا بالكوفة ثلاثين ألفا، فألحق عمر أعدادهم من أهل البصرة من أهل البلاء في الألفين حتى ساواهم بهم، ألحق جميع من شهد الأهواز.
ثم قال: هذا الغلام سيد أهل البصرة، وكتب إلى عتبة فيه بأن يسمع منه ويشرب برأيه، ورد سلمى وحرملة وغالبا وكليبا إلى مناذر ونهر تيرى، فكانوا عدة فيه لكون إن كان، وليميزوا خراجها كَتَبَ إِلَيَّ السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو، قالوا: بينا الناس من أهل البصرة وذمتهم على ذلك وقع بين الهرمزان وبين غالب وكليب في حدود الأرضين اختلاف وادعاء، فحضر ذلك سلمى وحرملة لينظرا فيما بينهم، فوجدا غالبا وكليبا محقين والهرمزان مبطلا، فحالا بينه وبينهما، فكفر الهرمزان أيضا ومنع ما قبله، واستعان بالأكراد، فكثف جنده وكتب سلمى وحرملة وغالب وكليب ببغي الهرمزان وظلمه وكفره إلى عتبة بْن غزوان، فكتب بذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر يأمره بأمره، وأمدهم عمر بحرقوص بْن زهير السعدي، وكانت له صحبه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره على القتال وعلى ما غلب عليه فنهد الهرمزان بمن معه وسلمى وحرملة وغالب وكليب، حتى إذا انتهوا إلى جسر سوق الأهواز أرسلوا إلى الهرمزان: إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم، فقال: اعبروا إلينا، فعبروا من فوق الجسر، فاقتتلوا فوق الجسر مما يلي سوق الأهواز، حتى هزم الهرمزان ووجه نحو رامهرمز، فأخذ على قنطرة أربك بقرية الشغر حتى حل برامهرمز، وافتتح حرقوص سوق الأهواز، فأقام بها ونزل الجبل، واتسقت له بلاد سوق الأهواز إلى تستر، ووضع الجزية، وكتب بالفتح والأخماس إلى عمر، ووفد وفدا بذلك، فحمد اللَّه، ودعا له بالثبات والزيادة وقال الأسود بْن سريع في ذلك- وكانت له صحبة:
لعمرك ما أضاع بنو أبينا *** ولكن حافظوا فيمن يطيع
أطاعوا ربهم وعصاه قوم *** أضاعوا أمره فيمن يضيع
مجوس لا ينهنهها كتاب *** فلاقوا كبة فيها قبوع
وولى الهرمزان على جواد *** سريع الشد يثفنه الجميع
وخلى سرة الأهواز كرها *** غداة الجسر إذ نجم الربيع
وقال حرقوص:
غلبنا الهرمزان على بلاد *** لها في كل ناحية ذخائر
سواء برهم والبحر فيها *** إذا صارت نواجبها بواكر
لها بحر يعج بجانبيه *** جعافر لا يزال لها زواخر