ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جُمَادَى الأولى إِلَى خَيْبَر وَظهر بعسكره الَّذِي أناف بِحسن الْأَوْصَاف على كل عَسْكَر اسْتخْلف سِبَاع …
بن عرفطة الْغِفَارِيّ وَسَارُوا إِلَى حَرْب من يُجَادِل فِي الْحق ويماري حَتَّى نزلُوا بِسَاحَتِهِمْ وَأَقْبلُوا بِنَفْي دعتهم وراحتهم فوعظ النَّاس وَفرق الرَّايَات وَدفع لِوَاءُهُ إِلَى صَاحب الْآيَات.
وجد الْمُسلمُونَ فِي قِتَالهمْ وبالغوا فِي جلادهم لَا فِي جدالهم وأرغموا آنافهم وَقتلُوا أَشْرَافهم وأنزلوهم من صياصيهم وَأخذُوا بأعناقهم وَنَوَاصِيهمْ وَأَقَامُوا حصونهم على محاصرتهم مُدَّة وألجأوهم إِلَى اقتحام عِقَاب الضّيق والشدة وفتحوا لَهُم عدَّة حصون وأدالوا مَا كَانَ بهَا من المَال المصون وظفروا بالسبائب والسبايا وَاسْتَخْرَجُوا مَا كَانَ فِي الزوايا من الخبايا.
ثمَّ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أجابهم إِلَى سُؤَالهمْ وساقهم مَعَ أهل فدك على النّصْف من أَمْوَالهم وَفِي هَذِه الْغَزْوَة تزوج صَفِيَّة وَنهى عَن أكل لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة وفيهَا قتل الْيَهُودِيَّة الَّتِي اهدت إِلَيْهِ الشَّاة المسمومة وَنهى عَن بيع الْغَنِيمَة الَّتِي هِيَ غير مقسومة.
وَلما فرغ من أَمر خَيْبَر قسم الْغَنَائِم ثمَّ قفل إِلَى الْمَدِينَة مَرْفُوع الألوية مَنْصُوب العزائم.
وَفِي هَذِه الْغَزْوَة يَقُول كَعْب بن مَالك من أَبْيَات:
وَنحن وردنا خيبرا وفروضه *** بِكُل فَتى عاري الأشاجع مذود
جواد لَدَى الغايات لَا واهن القوى *** جرى على الْأَعْدَاء فِي كل مشْهد
عَظِيم رماد الْقدر فِي كل شتوة *** ضروب بنصل المشرفي المهند
يرى الْقَتْل مدحا إِن أصَاب شَهَادَة *** من الله يرجوها وفوزا بِأَحْمَد
وفيهَا يَقُول ابْن الْقيم الْعَبْسِي من أَبْيَات:
وَلكُل حصن شاغل من خيلهم *** من عبد الْأَشْهَل أَو بني النجار
جرت بأبطحها الذيول فَلم تدع *** إِلَّا الدَّجَاج يَصِيح فِي الأسحار