وفي هذه السنة- أعني سنة سبع عشرة- غزا المسلمون أرض فارس من قبل البحرين فيما زعم سيف ورواه …
ذكر الخبر بذلك:
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، يقول: حَدَّثَنَا شعيب، قال: حَدَّثَنَا سيف، عن مُحَمَّد والمهلب وعمرو، قالوا: كان المسلمون بالبصرة وأرضها- وأرضها يومئذ سوادها، والأهواز على ما هم عليه إلى ذلك اليوم، ما غلبوا عليه منها ففي أيديهم، وما صولحوا عليه منها ففي أيدي أهله، يؤدون الخراج ولا يدخل عليهم، ولهم الذمة والمنعة- وعميد الصلح الهرمزان وقد قال عمر: حسبنا لأهل البصرة سوادهم والأهواز، وددت أن بيننا وبين فارس جبلا من نار لا يصلون إلينا منه ولا نصل إليهم، كما قال لأهل الكوفة: وددت أن بينهم وبين الجبل جبلا من نار لا يصلون إلينا منه، ولا نصل إليهم.
وكان العلاء بْن الحضرمي على البحرين أزمان أبي بكر، فعزله عمر، وجعل قدامة بْن المظعون مكانه، ثم عزل قدامة ورد العلاء، وكان العلاء يباري سعدا لصدع صدعه القضاء بينهما، فطار العلاء على سعد في الردة بالفضل، فلما ظفر سعد بالقادسية، وأزاح الأكاسرة عن الدار، وأخذ حدود ما يلي السواد، واستعلى، وجاء بأعظم مما كان العلاء جاء به، سر العلاء أن يصنع شيئا في الأعاجم، فرجا أن يدال كما قد كان أديل، ولم يقدر العلاء ولم ينظر فيما بين فضل الطاعة والمعصية بجد، وكان أبو بكر قد استعمله، وأذن له في قتال أهل الردة، واستعمله عمر، ونهاه عن البحر، فلم يقدر في الطاعة والمعصية وعواقبهما، فندب أهل البحرين إلى فارس، فتسرعوا إلى ذلك، وفرقهم أجنادا، على أحدهما الجارود بْن المعلى، وعلى الآخر السوار بْن همام، وعلى الآخر خليد بْن المنذر بْن ساوى، وخليد على جماعة الناس، فحملهم في البحر إلى فارس بغير إذن عمر، وكان عمر لا يأذن لأحد في ركوبه غازيا، يكره التغرير بجنده استنانا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبابى بكر، لم يغز فيه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر فعبرت تلك الجنود من البحرين إلى فارس، فخرجوا في إصطخر، وبإزائهم أهل فارس، وعلى أهل فارس الهربذ، اجتمعوا عليه، فحالوا بين المسلمين وبين سفنهم، فقام خليد في الناس، فقال: أما بعد، فإن اللَّه إذا قضى أمرا جرت به المقادير حتى تصيبه، وإن هؤلاء القوم لم يزيدوا بما صنعوا على أن دعوكم إلى حربهم، وإنما جئتم لمحاربتهم، والسفن والأرض لمن غلب، ف اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ، وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ فأجابوه إلى ذلك فصلوا الظهر، ثم ناهدوهم فاقتتلوا قتالا شديدا في موضع من الأرض يدعى طاوس، وجعل السوار يرتجز يومئذ ويذكر قومه، ويقول:
يا آل عبد القيس للقراع *** قد حفل الأمداد بالجراع
وكلهم في سنن المصاع *** يحسن ضرب القوم بالقطاع
حتى قتل وجعل الجارود يرتجز ويقول:
لو كان شيئا أمما أكلته *** أو كان ماء سادما جهرته
لكن بحرا جاءنا أنكرته.
حتى قتل ويومئذ ولي عبد اللَّه بْن السوار والمنذر بْن الجارود حياتهما إلى أن ماتا وجعل خليد يومئذ يرتجز ويقول:
يال تميم أجمعوا النزول *** وكاد جيش عمر يزول
وكلكم يعلم ما أقول
انزلوا، فنزلوا فاقتتل القوم فقتل أهل فارس مقتلة لم يقتلوا مثلها قبلها ثم خرجوا يريدون البصرة وقد غرقت سفنهم، ثم لم يجدوا إلى الرجوع في البحر سبيلا ثم وجدوا شهرك قد أخذ على المسلمين بالطرق، فعسكروا وامتنعوا في نشوبهم ولما بلغ عمر الذي صنع العلاء من بعثه ذلك الجيش في البحر ألقي في روعه نحو من الذي كان فاشتد غضبه على العلاء، وكتب إليه يعزله وتوعده، وأمره بأثقل الأشياء عليه، وأبغض الوجوه إليه، بتأمير سعد عليه، وقال: الحق بسعد بْن أبي وقاص فيمن قبلك، فخرج بمن معه نحو سعد وكتب عمر إلى عتبة بْن غزوان: إن العلاء بْن الحضرمي حمل جندا من المسلمين، فأقطعهم أهل فارس، وعصاني، وأظنه لم يرد اللَّه بذلك، فخشيت عليهم ألا ينصروا أن يغلبوا وينشبوا، فاندب إليهم الناس، واضممهم إليك من قبل أن يجتاحوا فندب عتبة الناس، وأخبرهم بكتاب عمر فانتدب عاصم بْن عمرو، وعرفجة بْن هرثمة، وحذيفة بْن محصن، ومجزأة بْن ثور، ونهار بْن الحارث، والترجمان بْن فلان، والحصين بْن أبي الحر، والأحنف بْن قيس، وسعد بْن أبي العرجاء، وعبد الرحمن بْن سهل، وصعصعة بْن معاوية، فخرجوا في اثني عشر ألفا على البغال يجنبون الخيل، وعليهم أبو سبرة بْن أبي رهم أحد بني مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، والمسالح على حالها بالأهواز والذمة، وهم ردء للغازي والمقيم فسار أبو سبرة بالناس، وساحل لا يلقاه أحد، ولا يعرض له، حتى التقى أبو سبرة وخليد بحيث أخذ عليهم بالطرق غب وقعة القوم بطاوس، وإنما كان ولي قتالهم أهل إصطخر وحدهم، والشذاذ من غيرهم، وقد كان أهل اصطخر حيث أخذوا على المسلمين بالطرق، وأنشبوهم، استصرخوا عليهم أهل فارس كلهم، فضربوا إليهم من كل وجه وكورة، فالتقوا هم وأبو سبرة بعد طاوس، وقد توافت إلى المسلمين أمدادهم وإلى المشركين أمدادهم، وعلى المشركين شهرك، فاقتتلوا، ففتح اللَّه على المسلمين، وقتل المشركين وأصاب المسلمون منهم ما شاءوا- وهي الغزاة التي شرفت فيها نابتة البصرة، وكانوا أفضل نوابت الأمصار، فكانوا أفضل المصرين نابتة- ثم انكفئوا بما أصابوا، وقد عهد إليهم عتبة وكتب إليهم بالحث وقلة العرجة، فانضموا إليه بالبصرة، فخرج أهلها إلى منازلهم منها، وتفرق الذين تنقذوا من أهل هجر إلى قبائلهم، والذين تنقذوا من عبد القيس في موضع سوق البحرين ولما أحرز عتبة الأهواز وأوطأ فارس، استأذن عمر في الحج، فأذن له، فلما قضى حجه استعفاه، فأبى أن يعفيه، وعزم عليه ليرجعن إلى عمله، فدعا اللَّه ثم انصرف، فمات في بطن نخلة، فدفن، وبلغ عمر، فمر به زائرا لقبره، وقال: أنا قتلتك، لولا أنه أجل معلوم وكتاب مرقوم، وأثنى عليه بفضله، ولم يختط فيمن اختط من المهاجرين، وإنما ورث ولده منزلهم من فاختة ابنة غزوان، وكانت تحت عثمان بْن عفان، وكان خباب مولاه قد لزم سمته فلم يختط، ومات عتبة بْن غزوان على رأس ثلاث سنين ونصف من مفارقة سعد بالمدائن، وقد استخلف على الناس أبا سبرة بْن أبي رهم، وعماله على حالهم، ومسالحه على نهر تيرى ومناذر وسوق الاهواز وسرق والهرمزان برامهرمز مصالح عليها، وعلى السوس والبنيان وجندى سابور ومهرجانقذق، وذلك بعد تنقذ الذين كان حمل العلاء في البحر إلى فارس، ونزولهم البصرة.
وكان يقال لهم أهل طاوس، نسبوا إلى الوقعة واقر عمر أبا سبره ابن أبي رهم على البصرة بقية السنة ثم استعمل المغيرة بْن شعبة في السنة الثانية بعد وفاة عتبة، فعمل عليها بقية تلك السنة والسنة التي تليها، لم ينتقض عليه أحد في عمله، وكان مرزوقا السلامة، ولم يحدث شيئا إلا ما كان بينه وبين أبي بكرة.
ثم استعمل عمر أبا موسى على البصرة، ثم صرف إلى الكوفة، ثم استعمل عمر بْن سراقة، ثم صرف عمر بْن سراقة إلى الكوفة من البصرة، وصرف أبو موسى إلى البصرة من الكوفة، فعمل عليها ثانيه.