بلغ رسول الله أن بني ثعلبة ومحارب من غطفان تجمعوا برياسة رئيس منهم اسمه دُعْثُور، يريدون الغارة على المدينة، …
فأراد عليه الصلاة والسلام أن يَغُلَّ أيديهم كيلا يتمكنوا من هذا الاعتداء، فخرج إليهم من المدينة في أربعمائة وخمسين رجلاً لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول، وخلف على المدينة عثمان بن عفان. ولما سمعوا بسير رسول الله هربوا إلى رؤوس الجبال، ولم يَزَل المسلمون سائرين حتى وصلوا ماء يُسمى ذا أَمَرَّ، فعسكروا به، وحدث أنه عليه الصلاة والسلام نزع ثوبه يجفِّفه من مطر بلَّله وارتاح تحت شجرة والمسلمون متفرقون، فأبصره دُعثور فأقبل إليه بسيفه حتى وقف على رأسه، وقال: مَنْ يمنعك مني يا محمد؟ فقال: «الله»، فأدركت الرجل هيبةٌ ورعبٌ أسقطا السيف من يده، فتناوله عليه الصلاة والسلام، وقال لدعثور: «مَنْ يمنعك مني»؟ قال: لا أحد. فعفا عنه فأسلم الرجل، ودعا قومه للإسلام، وحوّل الله قلبه من عداوة رسول الله، وَجمْع الناس لحربه إلى محبته وجمع الناس له، {ذالِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآء} [المائدة: 54] وهذا ما ينتجه حسن المعاملة، والبعد عن الفظاظة وغلظ القلب، {فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الاْمْرِ} [آل عمران: 159].