ويقال لها بدر الموعد: أي لموعد أبي سفيان رضي الله عنه، حيث قال حين منصرفه من أحد: موعد ما بيننا وبينكم بدر: أي موسمها، …
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: «قل نعم إن شاء الله تعالى» كما تقدم.
لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة ذات الرقاع أقام بقية جمادى الأولى إلى آخر رجب، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعبان وعليه اقتصر الأصل وقيل خرج في شوّال، وقيل في مستهل ذي القعدة كل ذلك في سنة أربع. من الوهم قول موسى بن عقبة رحمه الله: إنها كانت في شعبان سنة ثلاث لما علمت أنها بعد أحد، وأحد كانت في شوّال سنة ثلاث، والحافظ الدمياطي قدّم هذه الغزوة على غزوة ذات الرقاع، وتبعه الشمس الشامي وصاحب الإمتاع.
وكان وصوله صلى الله عليه وسلم إلى بدر هلال ذي القعدة، وهذا لا يناسب إلا القول بأن خروجه صلى الله عليه وسلم كان في شوّال، وكان ذلك موسما لبدر في كل سنة يحضره الناس ويقيمون به ثمانية أيام كما تقدمت الحوالة عليه. وحين خرج صلى الله عليه وسلم من المدينة استخلف عليها عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول رضي الله تعالى عنه، وقيل عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، وخرج في ألف وخمسمائة من أصحابه، وكان الخيل عشرة أفراس.
وعند تهيؤ المسلمين للخروج قدم نعيم بن مسعود الأشجعي، أي وكان ذلك قبل إسلامه رضي الله تعالى عنه، وأخبر قريشا أن المسلمين تهيؤوا للخروج لقتالهم ببدر، فكره أبو سفيان الخروج لذلك، وجعل لنعيم إن رجع إلى المدينة وخذل المسلمين عن الخروج لبدر عشرين بعيرا. وفي لفظ عشرة من الإبل وحمله على بعير، أي وقال له أبو سفيان إنه بدا لي أن لا أخرج، وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج أنا، فيزيدهم ذلك جراءة، فلأن يكون الخلف من قبلهم أحب إليّ من أن يكون من قبلي فالحق بالمدينة، وأعلمهم أنا في جمع كثير ولا طاقة لهم بنا، ولك عندي من الإبل كذا وكذا أدفعها لك على يد سهيل بن عمرو، فجاء نعيم إلى سهيل بن عمرو، فقال له: يا أبا يزيد تضمن لي هذه الإبل وانطلق إلى محمد وأثبطه؟ قال نعم، فقدم نعيم المدينة وأرجف بكثرة جموع أبي سفيان أي وصار يطوف فيهم حتى قذف الرعب في قلوب المسلمين، ولم يبق لهم نية في الخروج، واستبشر المنافقون أي واليهود، وقالوا: محمد لا يفلت من هذا الجمع، فجاء أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمعا ما أرجف به المسلمون وقالا له:
يا رسول الله، إن الله مظهر نبيه ومعز دينه، وقد وعدنا القوم موعدا لا نحب أن نتخلف عنه، فيرون أن هذا جبن، فسر لموعدهم، فو الله إن في ذلك لخيرة فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، ثم قال: «والذي نفسي بيده لأخرجن وإن لم يخرج معي أحد» فأذهب الله عنهم ما كانوا يجدون، وحمل لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وخرج المسلمون معهم بتجارات إلى بدر، فربحت الضعف.
ثم إن أبا سفيان قال لقريش: لقد بعثنا نعيما ليخذل أصحاب محمد عن الخروج، ولكن نخرج نحن فنسير ليلة أو ليلتين ثم نرجع، فإن كان محمد لم يخرج وبلغه أنا خرجنا فرجعنا، لأنه إن لم يخرج كان هذا لنا عليه، وإن خرج أظهرنا أن هذا عام جدب ولا يصلحنا إلا عام عشب، قالوا: نعم ما رأيت، فخرج أبو سفيان في قريش: أي وهم ألفان ومعهم خمسون فرسا حتى انتهوا إلى مجنة، أي بفتح الميم والجيم وتشديد النون: وهو سوق معروف من ناحية مرّ الظهران، وقيل إلى عسفان، ثم قال: يا معشر قريش لا يصلحكم إلا عام خصب، ترعون فيه الشجر، وتشربون فيه الماء، وإن عامكم هذا عام جدب، وإني راجع فارجعوا، فرجع الناس، فسماهم أهل مكة جيش السويق، يقولون: إنما خرجتم لتشربوا السويق.
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على بدر ينتظر أبا سفيان لميعاده مدة الموسم التي هي ثمانية أيام، أي فإنه صلى الله عليه وسلم انتهى إلى بدر هلال ذي القعدة كما تقدم، وقام السوق صبيحة الهلال، فأقاموا ثمانية أيام والسوق قائمة. أي وصار المسلمون كلما سألوا عن قريش وقيل لهم قد جمعوا لكم يقولون: حسبنا الله ونعم الوكيل، حتى قيل لهم لما قربوا من بدر: إنها قد امتلأت من الذين معهم أبو سفيان يرعبونهم ويرهبونهم، فيقول المؤمنون: حسبنا الله ونعم الوكيل، فلما قدموا بدرا وجدوا أسواقا لا ينازعهم فيها أحد، فأنزل الله تعالى: {ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ} [آل عمران: 173] فالمراد بالناس الأول: نعيم نزل منزلة الجماعة.
وعن إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه أن القائلين ذلك كانوا أربعة، ولا مانع أن يكون هؤلاء الأربعة من المنافقين لعنهم الله، وافقوا نعيما على ما قال حتى إن قائلهم قال للمسلمين: إنما أنتم لهم أكلة رأس، وإن ذهبتم إليهم لا يرجع منكم أحد.
وقيل القائلون ركب من عبد القيس، كانوا قاصدين المدينة للميرة، فجعل لهم أبو سفيان حمل أبعرتهم زبيبا إن هم خذلوا المسلمين وأرجفوهم. ولا مانع من وجود ذلك كله.
هذا، وقد نقل ابن عطية رحمه الله عن الجمهور أن هذه الآية الواقعة المذكورة إنما كانت بحمراء الأسد عند انصرافه من أحد فليتأمل.
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، أي وبلغ قريشا خروج المسلمين لبدر وكثرتهم، وإنهم كانوا أصحاب الموسم: أي والمخبر لهم بذلك معبد بن أبي معبد الخزاعي، فإنه بعد انقضاء الموسم خرج سريعا إلى مكة وأخبرهم بذلك. فقال صفوان بن أمية لأبي سفيان: قد والله نهيتك يومئذ أن تعد القوم، وقد اجترؤوا علينا ورأوا أنا أخلفناهم، وإنما خلفنا الضعف.