لما أهلّ شعبانُ هذا العام كان موعد أبي سفيان، فإنه بعد انقضاء غزوة أُحُد قال للمسلمين: موعدنا بدر العام المقبل، …
فأجابه الرسول إلى ذلك، وكان بدر محل سوق تُعقد كل عام للتجارة في شعبان يقيم التجار فيه ثمانياً، فلما حَلَّ الأجلُ وقريش مُجدبون، لم يتمكن أبو سفيان من الإيفاء بوعده، فأراد أن يخذل المسلمين عن الخروج كيلا يُوسم بخلف الوعد، فاستأجر نُعيمبن مسعود الأشجعي، ليأتي المدينة ويُرجفَ بما جمعه أبو سفيان من الجموع العظيمة، فقدم نُعيم المدينة وقال للمسلمين: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173] ولم يلتفت عليه الصلاة والسلام لهذا الإرجاف اتِّكالاً على ربه، بل خرج بألف وخمسمائة من أصحابه، واستخلف على المدينة عبد الله بن عبد الله بن أُبَيَ. ولم يزالوا سائرين حتى أتوا بدراً، فلم يجدوا بها أحداً لأن أبا سفيان أشار على قريش بالخروج على نيّة الرجوع بعد مسير ليلة أو ليلتين ظانّاً أن إرجاف نُعيم يفيد، فيكون المخلف هم المسلمون، فسار حتى أتى مجنَّة ــــ وهي سوق معروفة من ناحية مَرّ الظهران ــــ فقال لقومه: إن هذا عام جدب ولا يصلحنا إلا عام عشب فارجعوا، أما المسلمون فأقاموا ببدر لا يشاركهم في تجارته أحد {فَانْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء وَاتَّبَعُواْ رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 174] ولما سمع بذلك صفوان بن أمية قال لأبي سفيان: قد والله نهيتك أن تَعِدَ القوم، قد اجترءوا علينا ورأوا أنّا أخلفناهم.