لما أصاب قريشا في بدر ما أصابهم نذر أبو سفيان أن لا يمس رأسه ماء من جنابة: أي لا يأتي النساء، ولعل هذه العبارة وهي لا يمس رأسه …
ماء من جنابة وقعت من بعض الصحابة. مراده بها ما ذكر من أنه لا يأتي النساء. ويؤيده ما جاء في بعض الروايات: لا يمس النساء والطيب حتى يغزو محمدا؛ أو أن ذلك قاله أبو سفيان، بناء على أنهم كانوا يغتسلون من الجنابة.
ومن ثم ذكر الدميري أن الحكمة في عدم بيان الغسل في آية الوضوء كون الغسل من الجنابة كان معلوما قبل الإسلام بقية من دين إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، فهو من الشرائع القديمة.
وفي كلام بعضهم: كانوا في الجاهلية يغتسلون من الجنابة، ويغسلون موتاهم ويكفنونهم، ويصلون عليهم؛ وهو أن يقوم وليه بعد أن يوضع على سريره ويذكر محاسنه ويثني عليه، ثم يقول: عليك رحمة الله ثم يدفن.
وما ذكره الدميري تبع فيه السهيلي حيث قال: إن الغسل من الجنابة كان معمولا به في الجاهلية بقية من دين إبراهيم وإسماعيل، كما بقي فيهم الحج والنكاح، فكان الحدث الأكبر معروفا عندهم، ولذلك قال تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ} [المائدة:6] فلم يحتاجوا إلى تفسيره. وأما الحدث الأصغر فلما لم يكن معروفا عندهم قبل الإسلام لم يقل وإن كنتم محدثين فتوضؤوا، بل قال {فٱغْسِلُواْ} [المائدة: 6] الآية.
فخرج أبو سفيان في مائتي راكب من قريش ليبر بيمينه حتى نزل بمحل بينه وبين المدينة نحو بريد. ثم أتى لبني النضير: أي وهم حي من يهود خيبر ينسبون إلى هارون أخي موسى بن عمران عليهما الصلاة والسلام تحت الليل، فأتى حيي بن أخطب، أي وهو من رؤساء بني النضير وهو أبو صفية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، فضرب عليه بابه، فأبى أن يفتح له، لأنه خافه، فانصرف عنه وجاء إلى سلام بن مشكم سيد بني النضير أي وصاحب كنزهم: أي المال الذي كانوا يجمعونه ويدخرونه لنوائبهم وما يعرض لهم أي وكان حليا يعيرونه لأهل مكة، فاستأذن عليه، فأذن له واجتمع به، ثم خرج إلى أصحابه، فبعث رجالا من قريش فأتوا ناحية من المدينة فحرقوا نخلا منها ووجدوا رجلا من الأنصار. قال في الإمتاع: وهذا الأنصاري هو معبد بن عمرو وحليفا لهم فقتلوهما ثم انصرفوا راجعين، فعلم بهم الناس، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم في مائتين من المهاجرين والأنصار: أي واستعمل صلى الله عليه وسلم على المدينة بشير بن عبد المنذر. وكان خروجه لخمس خلون من ذي الحجة.
وجعل أبو سفيان وأصحابه يخففون للهرب أي لأجله، فجعلوا يلقون جرب السويق أي وهو قمح أو شعير يقلى ثم يطحن ليسفّ، تارة بماء، وتارة بسمن، وتارة بعسل وسمن وهو عامة أزوادهم، فيأخذه المسلمون ولم يلحقوا بهم، وانصرف رسول الله راجعا إلى المدينة، وكانت غيبته خمسة أيام.