ثمَّ خرج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَمِرًا من الْجِعِرَّانَة إِلَى مَكَّة،
وَأمر ببقايا الْفَيْء فَخمس بِنَاحِيَة مر الظهْرَان. فَلَمَّا فرغ رَسُول اللَّهِ …
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عمرته انْصَرف إِلَى الْمَدِينَة، واستخلف على مَكَّة عتاب بْن أسيد بْن أبي الْعيص، وَهُوَ ابْن نَيف وَعشْرين سنة.
وَدخل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة لست بَقينَ من ذِي الْقعدَة. وَكَانَت وقْعَة الطَّائِف فِي ذِي الْقعدَة المؤرخ من السّنة الثَّامِنَة من الْهِجْرَة. وَكَانَت غيبَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ خرج من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة فافتتحها وأوقع بهوازن وَحَارب الطَّائِف إِلَى أَن رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة شَهْرَيْن وَسِتَّة عشر يَوْمًا.
وَاسْتعْمل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالك بْن عَوْف بْن سعيد بْن يَرْبُوع النصري على من أسلم من قومه من قبائل قيس. وَأمره بمغاورة ثَقِيف، فَفعل، وضيق عَلَيْهِم. وَحسن إِسْلَامه وَإِسْلَام الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم حاشا عُيَيْنَة بْن حصن، فَلم يزل مغموزا عَلَيْهِ.
وَسَائِر الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم مِنْهُم الْخَيْر الْفَاضِل الْمجمع على خَيره كالحارث بن هِشَام، وَحَكِيم بْن حزَام، وَعِكْرِمَة بْن أبي جهل، وَسُهيْل بْن عَمْرو، وَمِنْهُم دون هَؤُلَاءِ وَقد فضل اللَّه النَّبِيين وَسَائِر عباده الْمُؤمنِينَ بَعضهم على بعض، وَهُوَ أعلم بهم.
ثمَّ انْصَرف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقُوا وَأقَام الْحَج للنَّاس عتاب بْن أسيد فِي تِلْكَ السّنة، وَهُوَ أول أَمِير أَقَامَ الْحَج فِي الْإِسْلَام. وَحج الْمُشْركُونَ على مشاعرهم. وَكَانَ عتاب بْن أسيد خَيِّرًا فَاضلا ورعا.
وَقدم كَعْب بْن زُهَيْر بْن أبي سلمى على رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسلما وامتدحه، وَقَامَ على رَأسه بقصيدته الَّتِي أَولهَا:
بَانَتْ سعاد فقلبي الْيَوْم متبول
وأنشدها إِلَى آخرهَا، وَذكر فِيهَا الْمُهَاجِرين فَأثْنى عَلَيْهِم. وَكَانَ قبل ذَلِك حُفِظَ لَهُ هجاءٌ فِي النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، فعاب عَلَيْهِ الْأَنْصَار إِذْ لم يذكرهم، فغدا على النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بقصيدة يمدح فِيهَا الْأَنْصَار وَقبل النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام إِسْلَامه وَسمع شعره وأثابه.