وَلما بلغ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمْسا وَثَلَاثِينَ سنة …
شهد بُنيان الْكَعْبَة وتراضت قُرَيْش بِحكمِهِ فِيهَا فَلَمَّا بلغ أَرْبَعِينَ سنة وَيَوْما بَعثه الله بشيرا وَنَذِيرا وَأَتَاهُ جِبْرِيل بِغَار حراء جبل بِمَكَّة يتعبد فِيهِ اللَّيَالِي ذَوَات الْعدَد فَقَالَ اقْرَأ فَقَالَ مَا أَنا بقارئ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخذني فغطني حَتَّى بلغ مني الْجهد ثمَّ أَرْسلنِي فَقَالَ اقْرَأ فَقلت مَا أَنا بقارئ فَقَالَ {ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] إِلَى قَوْله {عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 5] فَرجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرجف بهَا بوادره حَتَّى دخل على خَدِيجَة فَقَالَ «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» فزملوه حَتَّى ذهب عَنهُ الْوَرع ثمَّ قَالَ أَي خَدِيجَة وأخبرها الْخَبَر وَقَالَ «لقد خشيت على نَفسِي» قَالَت لَهُ خَدِيجَة أبشر وَالله لَا يخزيك الله أبدا وَالله إِنَّك لتصل الرَّحِم وَتصدق الحَدِيث وَتحمل الْكل وتكسب الْمَعْدُوم وتقري الضَّيْف وَتعين على نَوَائِب الْحق وَانْطَلَقت بِهِ خَدِيجَة حَتَّى أَتَت بِهِ ورقة بن نَوْفَل وَهُوَ ابْن عَمها وَكَانَ امْرَءًا قد تنصر فِي الْجَاهِلِيَّة وشيخا كَبِيرا قد عمى فَقَالَت يَا بن الْعم اسْمَع من ابْن أَخِيك فَقَالَ لَهُ ورقة يَا بن أخي مَاذَا ترى فَأخْبرهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خبر مَا رأى فَقَالَ لَهُ ورقة هَذَا الناموس الَّذِي أنزل على مُوسَى يَا لَيْتَني فِيهَا جذعا يَا لَيْتَني أكون حَيا حِين يخْرجك قَوْمك قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَو مخرجي هم» قَالَ نعم لم يَأْتِ رجل قطّ بِمثل مَا جِئْت بِهِ إِلَّا عودى وَإِن يدركني يَوْمك أنصرك نصرا مؤزرا ثمَّ لم ينشب ورقة أَن توفى وفتر الْوَحْي فَتْرَة حَتَّى حزن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا بلغنَا فغدا من أَهله مرَارًا لكَي يتردى من رُؤُوس شَوَاهِق جبال الْحرم فَكلما أوفى ذرْوَة جبل لكَي يلقِي نَفسه تبدا لَهُ جِبْرِيل فَقَالَ يَا مُحَمَّد إِنَّك لرَسُول حَقًا فيسكن لذَلِك جأشه وتعز نَفسه فَإِذا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَة الْوَحْي غَدا لمثل ذَلِك فيتبدا لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول لَهُ مثل ذَلِك وَلما أتم الله نبوته انْصَرف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَأْتِي على حجر وَلَا شجر إِلَّا سلم عَلَيْهِ سَلام عَلَيْك يَا رَسُول الله وَعَن جَابر بن سَمُرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «إِن بِمَكَّة الْآن لحجر كَانَ يسلم على ليَالِي بعثت أَنِّي لَا أعرفهُ الْآن» وَكَانَت نبوته يَوْم الِاثْنَيْنِ لثمان خلون من ربيع الأول فصدع بِأَمْر الله وَبلغ الرسَالَة ونصح الْأمة فشنف لَهُ الْقَوْم حَتَّى حاصروه وَأهل بَيته بِالشعبِ.