قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: …
وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ، ثُمَّ الظَّفَرِيُّ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا: قَدِمَ سُوَيْدُ بْنُ صَامِتٍ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، وَكَانَ سُوَيْدُ إنَّمَا يُسَمِّيهِ قَوْمُهُ فِيهِمْ: الْكَامِلَ، لِجَلَدِهِ وَشِعْرِهِ وَشَرَفِهِ وَنَسَبِهِ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ:
أَلَا رُبَّ مَنْ تَدْعُو صَدِيقًا وَلَوْ تَرَى … مَقَالَتَهُ بِالْغَيْبِ سَاءَكَ مَا يَفْرِي
مَقَالَتُهُ كَالشَّهْدِ مَا كَانَ شَاهِدًا … وَبِالْغَيْبِ مَأْثُورٌ عَلَى ثُغْرَةِ النَّحْرِ
يَسُرُّكَ بَادِيهِ وَتَحْتَ أَدِيَمِهِ … نَمِيمَةُ غِشٍّ تَبْتَرِي عَقَبَ الظَّهْرِ
تُبِينُ لَكَ الْعَيْنَانِ مَا هُوَ كَاتِمٌ … مِنْ الْغِلِّ وَالْبَغْضَاءِ بِالنَّظَرِ الشَّزْرِ
فَرِشْنِي بِخَيْرٍ طَالَمَا قَدْ بَرَيْتنِي … فَخَيْرُ الْمَوَالِي مَنْ يَرِيشُ وَلَا يَبْرِي
وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: وَنَافَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، ثُمَّ أَحَدَ بَنِي زِعْبِ بن مَالك مائَة نَاقَةٍ، إلَى كَاهِنَةٍ مِنْ كُهَّانِ الْعَرَبِ، فَقَضَتْ لَهُ. فَانْصَرَفَ عَنْهَا هُوَ وَالسُّلَمِيُّ، لَيْسَ مَعَهُمَا غَيْرُهَا، فَلَمَّا فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا الطَّرِيق، قَالَ: مَا لي، يَا أَخَا بَنِي سُلَيْمٍ قَالَ: أَبْعَثُ إلَيْكَ بِهِ، قَالَ: فَمَنْ لِي بِذَلِكَ إذَا فُتَّنِي بِهِ؟ قَالَ: أَنَا، قَالَ: كَلَّا، وَاَلَّذِي نَفْسُ سُوَيْدٍ بِيَدِهِ، لَا تُفَارِقَنِّي حَتَّى أُوتَى بِمَالِي، فَاِتَّخَذَا فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ، ثُمَّ أَوْثَقَهُ رِبَاطًا، ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِ إلَى دَارِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ حَتَّى بَعَثَتْ إلَيْهِ سُلَيْمٌ بِاَلَّذِي لَهُ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ:
لَا تَحْسَبَنِّي يَا بْنَ زِعْبِ بْنِ مَالِكٍ … كَمَنْ كُنْتَ تُرْدِي بِالْغُيُوبِ وَتَخْتِلُ
تَحَوَّلْتَ قِرْنًا إذْ صُرِعْتَ بِعِزَّةٍ … كَذَلِكَ إِنَّ الْحَازِمَ الْمُتَحَوِّلُ
ضَرَبْتُ بِهِ إِبْطَ «الشَّمَالِ فَلَمْ يَزَلْ … عَلَى كُلِّ حَالٍ خَدُّهُ هُوَ أَسْفَلُ
فِي أَشْعَارٍ كَثِيرَةٍ كَانَ يَقُولُهَا.
فَتَصَدَّى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَمِعَ بِهِ، فَدَعَاهُ إلَى اللَّهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَ لَهُ سُوَيْدٌ: فَلَعَلَّ الَّذِي مَعَكَ مِثْلُ الَّذِي مَعِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “وَمَا الَّذِي مَعَكَ؟” قَالَ: مَجَلَّةُ لُقْمَانَ – يَعْنِي حِكْمَةَ لُقْمَانَ- فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “اعْرِضْهَا عَلَيَّ“، فَعَرَضَهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: “إنَّ هَذَا لَكَلَامٌ حَسَنٌ، وَاَلَّذِي مَعِي أَفَضْلُ مِنْ هَذَا، قُرْآنٌ أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيَّ، هُوَ هُدًى وَنُورٌ“. فَتَلَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ، وَدَعَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ، وَقَالَ: إنَّ هَذَا لَقَوْلٌ حَسَنٌ. ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى قَوْمِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ قتلته الْخَزْرَج، فان كَانَ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ لَيَقُولُونَ:
إنَّا لَنَرَاهُ قَدْ قُتِلَ وَهُوَ مُسْلِمٌ. وَكَانَ قَتْلُهُ قَبْلَ يَوْمِ بُعَاثٍ.