استهدى القرامطة في هذه السنه من سيف الدولة حديدا، فقلع أبواب الرقة، وسد مكانها وأخذ كل حديد بديار مضر حتى صنجات البقالين …
والباعه، واحدوه في الفرات الى هيت وحملوه منها الى البريه.
وأخذ ناصر الدولة المال عن معز الدولة، فاصعد الى الموصل، ومضى ناصر الدولة الى ميافارقين، فسار وراءه الى نصيبين، واستخلف على الموصل سبكتكين، فسار ابو تغلب واخوته لحربه، فهزمهم سبكتكين، فاحرقوا زبازب معز الدولة بالموصل، وأسروا الاتراك، وصعد ابو احمد الطويل غلام موسى قتادة، وكان قد ضمن الاهواز، واصعد منها، ليفسخ ضمانه.
وأخذ بنو حمدان كراع معز الدولة وسلاحه، وما وجدوه من ماله.
فاقبل معز الدولة الى برقعيد، فأتاه حمدان بن ناصر الدولة مستأمنا، وأتاه ابو الهيجاء حرب بن ابى العلاء بن حمدان مستأمنا أيضا.
واتى معز الدولة الموصل، واستامن اليه المهيا والمسيب غلاما ابى تغلب، فخلع عليهما وطوقهما وسورهما، وأتاه ابو الحسن على بن ميمون، ورهن نفسه عنده، على سته آلاف الف ومائتي الف درهم، واطلاق الأسارى، فرحل حينئذ ومعه ابن عمرو الى الحديثه، وأتاه الأسارى والمال بها، فانحدر الى بغداد.
وفي هذه السنه خرج ابو عبد الله محمد بن القاسم المعروف بابن الداعي الحسنى، الى بلد الديلم.
وورد الخبر الى بغداد سنه سبع وثلاثين وثلاثمائة، فلزم الكرخي الحنبلى، وقرأ عليه الفقه، وقرأ الكلام على ابى عبد الله البصرى، ومنشؤه بطبرستان، وكان يجيب في الفتاوى احسن جواب والزمه معز الدولة النظر في نقابه الطالبيين ببغداد، سنه تسع واربعين وثلاثمائة ففعل مجبرا وعمر وقوفهم.
وساله معز الدولة عن طلحه والزبير، فقال: هما من اهل الجنه، لان النبي صلى الله عليه وسلم، بشرهما بالجنة، وكان المهلبى يخافه، فوضع عليه موضوعات، منها انه كان يأخذ البيعه على الديلم.
وبلغ من اجلال معز الدولة له، انه دخل عليه وهو مريض، فقبل يده استشفاء بها.
ولما غاب معز الدولة في هذه السفره الى نصيبين، استخلف ابنه عز الدولة ببغداد، فدخل ابن الداعي، فخاطبه بعض اصحاب عز الدولة في معنى علوي خطا أومى عليه، فامتعض ابو عبد الله من ذلك وخرج مغضبا.
وكان ينزل بدار على دجلة بباب الشعير، فرتب قوما معهم بالجانب الشرقى، واظهر انه مريض، وخرج مختفيا ومعه ابنه الاكبر، وخلف اولاده وعياله وزوجته ببغداد، ونعمته وكل ما تحويه داره، ولم يستصحب غير جبه صوف بيضاء وسيف ومصحف، وسلك طريق شهرزور ومضى الى هوسم وسمه علوي هناك قام بعده، وكانت وفاته سنه تسع وخمسين وثلاثمائة.
واقام الدمستق على المصيصة ثلاثة اشهر، ووقع الوباء في اصحابه، فاتى المستنفرون سيف الدولة، فسار معهم وهو مريض، فولى الدمستق، وكان المتنبى بالعراق، فكتب اليه جواب كتابه ورد عليه:
فهمت الكتاب ابر الكتب *** فسمعا لامر امير العرب
وغر الدمستق قول العداه *** بان عليا ثقيل وصب
وقد علمت خيله انه *** إذا هم وهو عليل ركب
أتاهم باوسع من ارضهم *** طوال السبيب قصار العسب
تغيب الشواهق في جيشه *** وتبدو صغارا إذا لم تغب
فغرق مدنهم بالجيوش *** واخفت أصواتهم باللجب