ففيها نزع مُعَاوِيَة مَرْوَان عن الْمَدِينَة فِي ذي القعدة فِي قول أبي معشر،وأمر الْوَلِيد بن عتبة بن أَبِي سُفْيَانَ عَلَيْهَا، حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَد …
بْن ثَابِت عمن ذكره، عن إِسْحَاق بن عِيسَى، عنه.
وفيها غزا مالك بن عَبْدِ اللَّهِ الخثعمي أرض الروم.
وفيها قتل يَزِيد بن شجرة فِي البحر فِي السفن فِي قول الْوَاقِدِيّ قَالَ:
ويقال عَمْرو بن يَزِيدَ الجهني، وَكَانَ الَّذِي شتا بأرض الروم، وقد قيل:
ان الَّذِي غزا فِي البحر فِي هَذِهِ السنة جُنَادَة بن أَبِي أُمَيَّةَ.
وحج بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السنة الْوَلِيد بن عتبة بن أَبِي سُفْيَانَ، كذلك حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْن ثَابِت عمن ذكره، عن إِسْحَاق بْن عِيسَى، عن أبي معشر، وكذلك قَالَ الواقدى وغيره.
عزل الضحاك عن الكوفه واستعمال عبد الرحمن بن أم الحكم
وفي هَذِهِ السنة ولى مُعَاوِيَة الْكُوفَة عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن عُثْمَانَ بن رَبِيعَة الثقفي، وَهُوَ ابن أم الحكم أخت مُعَاوِيَة بن أَبِي سُفْيَانَ، وعزل عنها الضحاك بن قيس، ففي عمله فِي هَذِهِ السنة خرجت الطائفة الَّذِينَ كَانَ الْمُغِيرَة بن شُعْبَةَ حبسهم فِي السجن من الخوارج الَّذِينَ كَانُوا بايعوا المستورد بن علفة، فظفر بهم فاستودعهم السجن، فلما مات الْمُغِيرَة خرجوا من السجن.
فذكر هِشَام بن مُحَمَّدٍ أن أبا مخنف، حدثه عن عبد الرَّحْمَن بن جندب، عن عَبْد اللَّهِ بن عُقْبَةَ الغنوي أن حيان بن ظبيان السلمي جمع إِلَيْهِ أَصْحَابه، ثُمَّ إنه حمد اللَّه وأثنى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَمَّا بَعْدُ، فإن الله عز وَجَلَّ كتب علينا الجهاد، فمنا مَنْ قَضى نَحْبَهُ، ومنا مَنْ يَنْتَظِرُ، وأولئك الأبرار الفائزون بفضلهم، ومن يكن منا من ينتظر فهو من سلفنا القاضين نحبهم، السابقين بإحسان، فمن كَانَ مِنْكُمْ يريد اللَّه وثوابه فليسلك سبيل أَصْحَابه وإخوانه يؤته اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ مع الْمُحْسِنِينَ.
قَالَ معاذ بن جوين الطَّائِيّ: يَا أهل الإِسْلام، إنا وَاللَّهِ لو علمنا أنا إذا تركنا جهاد الظلمة وإنكار الجور، كَانَ لنا بِهِ عِنْدَ اللَّه عذر، لكان تركه أيسر علينا، وأخف من ركوبه، ولكنا قَدْ علمنا واستيقنا أنه لا عذر لنا، وَقَدْ جعل لنا القلوب والأسماع حَتَّى ننكر الظلم، ونغير الجور، ونجاهد الظالمين، ثُمَّ قَالَ: ابسط يدك نبايعك، فبايعه وبايعه القوم، فضربوا عَلَى يد حيان بن ظبيان، فبايعوه، وَذَلِكَ فِي إمارة عبد الرَّحْمَن بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ الثقفي، وَهُوَ ابن أم الحكم، وَكَانَ عَلَى شرطته زائدة بن قدامة الثقفي.
ثُمَّ إن القوم اجتمعوا بعد ذَلِكَ بأيام إِلَى منزل معاذ بن جوين بن حصين الطَّائِيّ فَقَالَ لَهُمْ حيان بن ظبيان: عباد اللَّه، أشيروا برأيكم، أين تأمروني أن أخرج؟ فَقَالَ لَهُ معاذ: إني أَرَى أن تسير بنا إِلَى حلوان حَتَّى ننزلها، فإنها كورة بين السهل والجبل، وبين المصر والثغر- يعني بالثغر الري- فمن كَانَ يرى رأينا من أهل المصر والثغر والجبال والسواد لحق بنا فَقَالَ لَهُ حيان: عدوك معاجلك قبل اجتماع الناس إليك، لعمري لا يتركونكم حَتَّى يجتمعوا إليكم، ولكن قَدْ رأيت أن أخرج معكم فِي جانب الْكُوفَة والسبخة أو زرارة والحيرة، ثُمَّ نقاتلهم حَتَّى نلحق بربنا، فإني وَاللَّهِ لقد علمت أنكم لا تقدرون وَأَنْتُمْ دون المائة رجل أن تهزموا عدوكم، ولا ان تشتد نكايتكم فِيهِمْ، ولكن متى علم اللَّه أنكم قَدْ أجهدتم أنفسكم فِي جهاد عدوه وعدوكم كَانَ لكم بِهِ العذر، وخرجتم من الإثم قالوا: رأينا رأيك، فقال لهم عتريس ابن عرقوب أَبُو سُلَيْمَان الشيباني: ولكن لا أَرَى راى جماعتكم، فانظروا في راى لكم، إني لا إخالكم تجهلون معرفتي بالحرب، وتجربتي بالأمور، فَقَالُوا لَهُ: أجل، أنت كما ذكرت، فما رأيك؟ قَالَ: مَا أَرَى أن تخرجوا عَلَى الناس بالمصر، إنكم قليل فِي كثير، وَاللَّهِ مَا تزَيْدون عَلَى أن تجزروهم أنفسكم، وتقروا أعينهم بقتلكم، وليس هكذا تكون المكايدة إذ آثرتم أن تخرجوا عَلَى قومكم، فكيدوا عدوكم مَا يضرهم، قَالُوا: فما الرأي؟ قَالَ:
تسيرون إِلَى الكورة الَّتِي أشار بنزولها معاذ بن جوين بن حصين- يعني حلوان- أو تسيرون بنا إِلَى عين التمر فنقيم بِهَا، فإذا سمع بنا إخواننا أتونا من كل جانب وأوب، فَقَالَ لَهُ حيان بن ظبيان: إنك وَاللَّهِ لو سرت بنا أنت وجميع أَصْحَابك نحو أحد هَذَيْنِ الوجهين مَا اطمأننتم بِهِ حَتَّى يلحق بكم خيول أهل المصر، فأنى تشفون أنفسكم! فو الله مَا عدتكم بالكثيرة الَّتِي ينبغي أن تطمعوا معها بالنصر فِي الدُّنْيَا عَلَى الظالمين المعتدين، فاخرجوا بجانب من مصركم هَذَا فقاتلوا عن أمر اللَّه من خالف طاعة اللَّه، وَلا تربصوا وَلا تنتظروا فإنكم إنما تبادرون بِذَلِكَ إِلَى الجنة، وتخرجون أنفسكم بِذَلِكَ من الْفِتْنَة قَالُوا: أما إذا كَانَ لا بد لنا فإنا لن نخالفك، فاخرج حَيْثُ أحببت.
فمكث حَتَّى إذا كَانَ آخر سنة من سني ابن أم الحكم فِي أول السنة- وَهُوَ أول يوم من شهر ربيع الآخر- اجتمع أَصْحَاب حيان بن ظبيان إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ: يَا قوم، إن اللَّه قَدْ جمعكم لخير وعلى خير، وَاللَّهِ الَّذِي لا إله غيره مَا سررت بشيء قط فِي الدُّنْيَا بعد ما أسلمت سروري لمخرجي هَذَا عَلَى الظلمة الاثمه، فو الله مَا أحب أن الدُّنْيَا بحذافيرها لي وأن اللَّه حرمني فِي مخرجي هَذَا الشهادة وأني قَدْ رأيت أن نخرج حَتَّى ننزل جانب دار جرير، فإذا خرج إليكم الأحزاب ناجزتموهم فَقَالَ عتريس بن عرقوب البكري: أما إن نقاتلهم فِي جوف المصر فإنه يقاتلنا الرجال، وتصعد النساء والصبيان والإماء فيرموننا بالحجارة، فَقَالَ لَهُمْ رجل مِنْهُمُ: انزلوا بنا إذا من وراء المصر الجسر- وَهُوَ موضع زرارة، وإنما بنيت زرارة بعد ذَلِكَ إلا أبياتا يسيرة كَانَتْ منها قبل ذَلِكَ- فَقَالَ لَهُمْ معاذ بن جوين بن حصين الطَّائِيّ: لا، بل سيروا بنا فلننزل بانقيا فما أسرع مَا يأتيكم عدوكم، فإذا كَانَ ذَلِكَ استقبلنا القوم بوجوهنا، وجعلنا البيوت فِي ظهورنا، فقاتلناهم من وجه واحد فخرجوا، فبعث إِلَيْهِم جيش، فقتلوا جميعا ثم ان عبد الرحمن بن أم الحكم طرده أهل الْكُوفَة، فحدثت عن هشام ابن مُحَمَّدٍ، قَالَ: استعمل مُعَاوِيَة ابن أم الحكم عَلَى الْكُوفَة فأساء السيرة فِيهِمْ، فطردوه، فلحق بمعاوية وَهُوَ خاله، فَقَالَ لَهُ: أوليك خيرا منها، مصر، قَالَ: فولاه، فتوجه إِلَيْهَا، وبلغ مُعَاوِيَة بن حديج السكوني الخبر، فخرج فاستقبله عَلَى مرحلتين من مصر، فَقَالَ: ارجع إِلَى خالك فلعمري لا تسير فينا سيرتك فِي إخواننا من أهل الْكُوفَة.
قَالَ: فرجع إِلَى معاويه، واقبل معاويه بن حديج وافدا، قال: وَكَانَ إذا جَاءَ قلست لَهُ الطريق- يعني ضربت لَهُ قباب الريحان- قَالَ: فدخل عَلَى مُعَاوِيَة وعنده أم الحكم، فَقَالَتْ: من هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ:
بخ! هَذَا مُعَاوِيَة بن حديج، قالت: لا مرحبا بِهِ! تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، فَقَالَ: عَلَى رسلك يَا أم الحكم! أما وَاللَّهِ لقد تزوجت فما أكرمت، وولدت فما أنجبت، أردت أن يلي ابنك الفاسق علينا فيسير فينا كما سار فِي إخواننا من أهل الْكُوفَة، مَا كَانَ اللَّه ليريه ذَلِكَ، ولو فعل ذَلِكَ لضربناه ضربا يطأطئ مِنْهُ، وإن كره ذَلِكَ الجالس فالتفت إِلَيْهَا مُعَاوِيَة، فَقَالَ: كفي
ذكر قتل عروه بن اديه وغيره من الخوارج
وفي هَذِهِ السنة اشتد عُبَيْد اللَّهِ بن زياد عَلَى الخوارج، فقتل مِنْهُمْ صبرا جماعة كثيرة، وفي الحرب جماعة أخرى، وممن قتل مِنْهُمْ صبرا عروة بن أدية، أخو أبي بلال مِرْدَاس بن أدية.
ذكر سبب قتله إياهم:
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حرب، قَالَ: حَدَّثَنَا وهب بن جرير، قال: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عَاصِمٍ الأَسَدِيُّ، أَنَّ ابْنَ زِيَادٍ خَرَجَ فِي رِهَانٍ لَهُ، فَلَمَّا جَلَسَ يَنْتَظِرُ الْخَيْلَ اجْتَمَعَ النَّاسُ وَفِيهِمْ عُرْوَةُ بْنُ أُدَيَّةَ أَخُو أَبِي بِلالٍ، فَأَقْبَلَ عَلَى ابْنِ زِيَادٍ فَقَالَ: خَمْسٌ كُنَّ فِي الأُمَمِ قَبْلَنَا، فَقَدْ صِرْنَ فِينَا: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء: 128-130] وَخَصْلَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ لَمْ يَحْفَظْهُمَا جَرِيرٌ فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ ظَنَّ ابْنُ زِيَادٍ أَنَّهُ لَمْ يَجْتَرِئْ عَلَى ذَلِكَ إِلا وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَامَ وَرَكِبَ وَتَرَكَ رِهَانَهُ، فَقِيلَ لِعُرْوَةَ:
مَا صَنَعْتَ! تَعْلَمَنَّ وَاللَّهِ لَيَقْتُلَنَّكَ قَالَ: فَتَوَارَى، فَطَلَبَهُ ابْنُ زِيَادٍ، فَأَتَى الْكُوفَةَ، فَأَخَذَ بِهَا، فَقَدِمَ بِهِ عَلَى ابْنِ زِيَادٍ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلاهُ، ثُمَّ دَعَا بِهِ فَقَالَ: كَيْفَ تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنَّكَ أَفْسَدْتَ دُنْيَايَ وَأَفْسَدْتَ آخِرَتَكَ، فَقَتَلَهُ، وَأَرْسَلَ إِلَى ابْنَتِهِ فَقَتَلَهَا.
وَأَمَّا مِرْدَاسُ بْنُ أُدَيَّةَ فَإِنَّهُ خَرَجَ بِالأَهْوَازِ وَقَدْ كَانَ ابْنُ زِيَادٍ قَبْلَ ذَلِكَ حَبَسَهُ- فِيمَا حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَلادُ بْنُ يَزِيدَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ-:
حَبَسَ ابْنُ زِيَادٍ- فِيمَنْ حَبَسَ- مِرْدَاسَ بْنَ أُدَيَّةَ، فَكَانَ السَّجَّانُ يَرَى عِبَادَتَهُ وَاجْتِهَادَهُ، وَكَانَ يَأْذَنُ لَهُ فِي اللَّيْلِ، فَيَنْصَرِفُ، فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ أَتَاهُ حَتَّى يَدْخُلَ السِّجْنَ، وَكَانَ صَدِيقٌ لِمِرْدَاسٍ يُسَامِرُ ابْنَ زِيَادٍ، فَذَكَرَ ابْنُ زِيَادٍ الْخَوَارِجَ لَيْلَةً فَعَزَمَ عَلَى قَتْلِهِمْ إِذَا أَصْبَحَ، فَانْطَلَقَ صَدِيقُ مِرْدَاسٍ إِلَى مَنْزِلِ مِرْدَاسٍ فَأَخْبَرَهُمْ، وَقَالَ: أَرْسِلُوا إِلَى أَبِي بِلالٍ فِي السِّجْنِ فَلْيَعْهَدْ فَإِنَّهُ مَقْتُولٌ، فَسَمِعَ ذَلِكَ مِرْدَاسٌ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ صَاحِبَ السِّجْنِ، فَبَاتَ بِلَيْلَةِ سُوءٍ إِشْفَاقًا مِنْ أَنْ يَعْلَمَ الْخَبَرَ مِرْدَاسٌ فَلا يَرْجِعُ، فَلَمَّا كَانَ الْوَقْتُ الَّذِي كَانَ يَرْجِعُ فِيهِ إِذَا بِهِ قَدْ طَلَعَ، فَقَالَ لَهُ السَّجَّانُ: هَلْ بَلَغَكَ مَا عَزَمَ عَلَيْهِ الأَمِيرُ؟ قَالَ:
نَعَمْ، قَالَ: ثُمَّ غَدَوْتَ! قَالَ: نَعَمْ، وَلَمْ يَكُنْ جَزَاؤُكَ مَعَ إِحْسَانِكَ أَنْ تعاقب بسبي، وَأَصْبَحَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَجَعَلَ يَقْتُلُ الْخَوَارِجَ، ثُمَّ دَعَا بِمِرْدَاسٍ، فَلَمَّا حَضَرَ وَثَبَ السَّجَّانُ- وَكَانَ ظِئْرًا لِعُبَيْدِ اللَّهِ- فَأَخَذَ بِقَدَمِهِ، ثُمَّ قَالَ: هب هَذَا، وَقَصَّ عَلَيْهِ قِصَّتَهُ، فَوَهَبَهُ لَهُ وَأَطْلَقَهُ.
حدثني عمر، قَالَ: حَدَّثَنَا زهير بن حرب، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: خرج.