ذكر الخبر عن حبس الواثق الكتاب وإلزامهم الأموال فمن ذلك ما كان من حبس الواثق بالله الكتاب وإلزامهم أموالا، فدفع أحمد بن إسرائيل إلى …
إسحاق بن يحيى بن معاذ صاحب الحرس، وأمر بضربه كل يوم عشرة أسواط، فضربه- فيما قيل- نحوا من ألف سوط، فأدى ثمانين ألف دينار، وأخذ من سليمان بن وهب كاتب ايتاخ أربعمائة ألف دينار، ومن الحسن بن وهب أربعة عشر الف دينار، وأخذ من أحمد بن الخصيب وكتابه ألف ألف دينار، ومن إبراهيم بن رباح وكتابه مائة ألف دينار، ومن نجاح ستين ألف دينار، ومن أبي الوزير صلحا مائة ألف وأربعين ألف دينار، وذلك سوى ما أخذ من العمال بسبب عمالاتهم ونصب محمد بن عبد الملك لابن ابى دواد وسائر أصحاب المظالم العداوة، فكشفوا وحبسوا، وأجلس إسحاق بن إبراهيم، فنظر في أمرهم وأقيموا للناس ولقوا كل جهد.
ذكر الخبر عن السبب الذي بعث الواثق على فعله ما ذكرت بالكتاب في هذه السنة:
ذكر عن عزون بن عبد العزيز الأنصاري، أنه قال: كنا ليلة في هذه السنة عند الواثق، فقال: لست أشتهي الليلة النبيذ، ولكن هلموا نتحدث الليلة، فجلس في رواقه الأوسط في الهاروني في البناء الأول الذي كان إبراهيم ابن رباح بناه، وقد كان في أحد شقي ذلك الرواق قبة مرتفعة في السماء بيضاء، كأنها بيضه الا قدر ذراع- فيما ترى العين- حولها في وسطها ساج منقوش مغشى باللازورد والذهب، وكانت تسمى قبة المنطقة، وكان ذلك الرواق يسمى رواق قبة المنطقة قال: فتحدثنا عامة الليل، فقال الواثق: من منكم يعلم السبب الذي به وثب جدي الرشيد على البرامكة فأزال نعمتهم؟ قال عزون: فقلت: أنا والله أحدثك يا أمير المؤمنين، كان سبب ذلك أن الرشيد ذكرت له جارية لعون الخياط، فأرسل إليها فاعترضها، فرضي جمالها وعقلها وحسن أدبها، فقال لعون: ما تقول في ثمنها؟ قال: يا أمير المؤمنين، أمر ثمنها واضح مشهور، حلفت بعتقها وعتق رقيقي جميعا وصدقة مالي الأيمان المغلظة التي لا مخرج منها لي، وأشهدت علي بذلك العدول الا انقص ثمنها عن مائة ألف دينار، ولا أحتال في ذلك بشيء من الحيل، هذه قضيتها فقال أمير المؤمنين:
قد أخذتها منك بمائة ألف دينار، ثم أرسل إلى يحيى بن خالد يخبره بخبر الجارية، ويأمره أن يرسل إليه بمائة ألف دينار، فقال يحيى: هذا مفتاح سوء، إذا اجترأ في ثمن جارية واحدة على طلب مائة ألف دينار فهو أحرى أن يطلب المال على قدر ذلك، فأرسل يخبره أنه لا يقدر على ذلك، فغضب عليه الرشيد، وقال: ليس في بيت مالي مائة ألف دينار، فأعاد عليه: لا بد منها، فقال يحيى: اجعلوها دراهم، ليراها فيستكثرها، فلعله يردها، فأرسل بها دراهم، وقال: هذه قيمة مائة ألف دينار، وأمر أن توضع في رواقه الذي يمر فيه إذا أراد المتوضأ لصلاة الظهر قال: فخرج الرشيد في ذلك الوقت، فإذا جبل من بدر، فقال: ما هذا؟ قالوا: ثمن الجارية، لم تحضر دنانير، فأرسل قيمتها دراهم، فاستكثر الرشيد ذلك، ودعا خادما له، فقال: اضمم هذه إليك، واجعل لي بيت مال لاضم اليه ما أريده وسماه بيت مال العروس، وأمر برد الجارية إلى عون، وأخذ في التفتيش عن المال، فوجد البرامكة قد استهلكوه، فأقبل يهم بهم ويمسك، فكان يرسل إلى الصحابة وإلى قوم من أهل الأدب من غيرهم فيسامرهم، ويتعشى معهم، فكان فيمن يحضر إنسان كان معروفا بالأدب، وكان يعرف بكنيته يقال له أبو العود، فحضر ليلة فيمن حضره، فأعجبه حديثه، فأمر خادما له أن يأتي يحيى بن خالد إذا أصبح، فيأمره أن يعطيه ثلاثين ألف درهم ففعل، فقال يحيى لأبي العود: أفعل، وليس بحضرتنا اليوم مال، غدا يجيء المال، ونعطيك إن شاء الله ثم دافعه حتى طالت به الأيام، قال: فأقبل أبو العود يحتال أن يجد من الرشيد وقتا يحرضه فيه على البرامكة- وقد كان شاع في الناس ما كان يهم به الرشيد في أمرهم- فدخل عليه ليلة، فتحدثوا، فلم يزل أبو العود يحتال للحديث حتى وصله بقول عمر بن أبي ربيعة:
وعدت هند وما كانت تعد *** ليت هندا أنجزتنا ما تعد
واستبدت مرة واحدة *** إنما العاجز من لا يستبد
فقال الرشيد: أجل والله، إنما العاجز من لا يستبد، حتى انقضى المجلس وكان يحيى قد اتخذ من خدم الرشيد خادما يأتيه بأخباره، وأصبح يحيى غاديا على الرشيد، فلما رآه قال: قد أردت البارحة أن أرسل إليك بشعر أنشدنيه بعض من كان عندي، ثم كرهت أن أزعجك، فأنشده البيتين، فقال: ما أحسنهما يا أمير المؤمنين! وفطن لما أراد، فلما انصرف أرسل إلى ذلك الخادم، فسأله عن إنشاد ذلك الشعر، فقال: أبو العود أنشده، فدعا الوزير يحيى بأبي العود، فقال له: إنا كنا قد لويناك بمالك، وقد جاءنا مال، ثم قال لبعض خدمه: اذهب فأعطه ثلاثين ألف درهم من بيت مال أمير المؤمنين، وأعطه من عندي عشرين ألف درهم لمطلنا إياه، واذهب إلى الفضل وجعفر فقل لهما هذا رجل مستحق أن يبر، وقد كان أمير المؤمنين أمر له بمال فأطلت مطله، ثم حضر المال، فأمرت أن يعطى ووصلته من عندي صلة، وقد أحببت أن تصلاه، فسألا: بكم وصله قال: بعشرين ألف درهم، فوصله كل واحد منهما بعشرين ألف درهم، فانصرف بذلك المال كله إلى منزله وجد الرشيد في أمرهم حتى وثب عليهم، وأزال نعمتهم، وقتل جعفرا وصنع ما صنع فقال الواثق: صدق والله جدي، إنما العاجز من لا يستبد! وأخذ في ذكر الخيانة وما يستحق أهلها.
قال عزون: أحسبه: سيوقع بكتابه، فما مضى أسبوع حتى أوقع بكتابه، وأخذ إبراهيم بن رباح وسليمان بن وهب وأبا الوزير وأحمد بن الخصيب وجماعتهم.
قال: وأمر الواثق بحبس سليمان بن وهب كاتب ايتاخ، واخذه بمائتي ألف درهم- وقيل دينار- فقيد وألبس مدرعة من مدارع الملاحين، فأدى مائة ألف درهم، وسال ان يؤخذ بالباقي عشرين شهرا، فأجابه الواثق إلى ذلك، وأمر بتخلية سبيله ورده إلى كتابة إيتاخ، وأمره بلبس السواد.
وفي هذه السنة ولي شارباميان لإيتاخ اليمن وشخص إليها في شهر ربيع الآخر.
وفيها ولي محمد بن صالح بن العباس المدينة.
وحج بالناس في هذه السنة محمد بْن داود.