ذكر خبر ظهور خلاف رافع بن ليث، فمن ذلك ما كان من ظهور رافع بْن ليث بْن نصر بْن سيار بسمرقند، مخالفا لهارون وخلعه إياه، ونزعه يده من طاعته …
ذكر الخبر عن سبب ذلك:
وكان سبب ذلك- فيما ذكر لنا- أن يحيى بْن الأشعث بْن يحيى الطائي تزوج ابنة لعمه ابى النعمان، وكانت ذات يسار، فأقام بمدينة السلام، وتركها بسمرقند، فلما طال مقامه بها، وبلغها أنه قد اتخذ أمهات أولاد، التمست سببا للتخلص منه، فعي عليها، وبلغ رافعا خبرها، فطمع فيها وفي مالها، فدس إليها من قَالَ لها: إنه لا سبيل لها إلى التخلص من صاحبها، إلا أن تشرك بالله، وتحضر لذلك قوما عدولا، وتكشف شعرها بين أيديهم، ثم تتوب فتحل للأزواج، ففعلت ذلك وتزوجها رافع وبلغ الخبر يحيى بْن الأشعث، فرفع ذلك إلى الرشيد، فكتب إلى علي بْن عيسى يأمره أن يفرق بينهما، وأن يعاقب رافعا ويجلده الحد، ويقيده ويطوف به في مدينة سمرقند مقيدا على حمار، حتى يكون عظة لغيره فدرأ سليمان بْن حميد الأزدي عنه الحد، وحمله على حمار مقيدا حتى طلقها، ثم حبسه في سجن سمرقند، فهرب من الحبس ليلا من عند حميد بْن المسيح- وهو يومئذ على شرط سمرقند- فلحق بعلي بْن عيسى ببلخ، فطلب الأمان فلم يجبه علي إليه، وهم بضرب عنقه، فكلمه فيه ابنا عيسى بْن علي، وجدد طلاق المرأة، وأذن له في الانصراف إلى سمرقند، فانصرف إليها، فوثب بسليمان ابن حميد، عامل علي بْن عيسى فقتله فوجه علي بْن عيسى إليه ابنه، فمال الناس إلى سباع بْن مسعدة، فرأسوه عليهم، فوثب على رافع فقيده، فوثبوا على سباع، فقيدوه ورأسوا رافعا وبايعوه، وطابقه من وراء النهر، ووافاه عيسى بْن علي، فلقيه رافع فهزمه، فأخذ علي بْن عيسى في فرض الرجال والتأهب للحرب.
وفي هذه السنة غزا الرشيد الصائفة، واستخلف ابنه عبد الله المأمون بالرقة وفوض إليه الأمور، وكتب إلى الآفاق بالسمع له والطاعة، ودفع إليه خاتم المنصور يتيمن به، وهو خاتم الخاصة، نقشه: الله ثقتي آمنت به.
وفيها أسلم الفضل بْن سهل على يد المأمون.
وفيها خرجت الروم إلى عين زربة وكنيسة السوداء، فأغارت وأسرت، فاستنقذ أهل المصيصة ما كان في ايديهم.
فتح الرشيد هرقله
وفيها فتح الرشيد هرقلة، وبث الجيوش والسرايا بأرض الروم، وكان دخلها- فيما قيل- في مائة ألف وخمسة وثلاثين ألف مرتزق، سوى الأتباع وسوى المطوعة وسوى من لا ديوان له، وأناخ عبد الله بْن مالك على ذي الكلاع ووجه داود بْن عيسى بْن موسى سائحا في أرض الروم في سبعين ألفا، وافتتح شراحيل بْن معن بْن زائدة حصن الصقالبة ودبسة، وافتتح يزيد بْن مخلد الصفصاف وملقوبية- وكان فتح الرشيد هرقلة في شوال- وأخربها وسبى أهلها بعد مقام ثلاثين يوما عليها، وولى حميد بْن معيوف سواحل بحر الشام إلى مصر، فبلغ حميد قبرس، فهدم وحرق وسبى من أهلها ستة عشر ألفا، فأقدمهم الرافقة، فتولى بيعهم أبو البختري القاضي، فبلغ أسقف قبرس ألفي دينار.
وكان شخوص هارون إلى بلاد الروم لعشر بقين من رجب، واتخذ قلنسوة مكتوبا عليها غاز حاج، فكان يلبسها، فقال أبو المعالي الكلابي:
فمن يطلب لقاءك أو يرده *** فبالحرمين أو أقصى الثغور
ففي أرض العدو على طمر ***وفي أرض الترفه فوق كور
وما حاز الثغور سواك خلق *** من المتخلفين على الأمور
ثم صار الرشيد إلى الطوانة، فعسكر بها، ثم رحل عنها، وخلف عليها عقبة بْن جعفر، وأمره ببناء منزل هنالك، وبعث نقفور إلى الرشيد بالخراج والجزية، عن رأسه وولي عهده وبطارقته وسائر أهل بلده خمسين ألف دينار، منها عن رأسه أربعة دنانير، وعن رأس ابنه استبراق دينارين وكتب نقفور مع بطريقين من عظماء بطارقته في جارية من سبي هرقلة كتابا نسخته:
لعبد الله هارون أمير المؤمنين من نقفور ملك الروم سلام عليكم، اما بعد ايها الملك، فان لي إليك حاجة لا تضرك في دينك ولا دنياك، هينه يسيرة، أن تهب لابني جارية من بنات أهل هرقلة، كنت قد خطبتها على ابني، فإن رأيت أن تسعفني بحاجتي فعلت والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
واستهداه أيضا طيبا وسرادقا من سرادقاته، فأمر الرشيد بطلب الجارية، فأحضرت وزينت وأجلست على سرير في مضربه الذي كان نازلا فيه، وسلمت الجارية والمضرب بما فيه من الآنية والمتاع إلى رسول نقفور، وبعث إليه بما سأل من العطر، وبعث إليه من التمور والأخبصة والزبيب والترياق، فسلم ذلك كله إليه رسول الرشيد، فأعطاه نقفور وقر دراهم إسلامية على برذون كميت كان مبلغه خمسين ألف درهم، ومائة ثوب ديباج ومائتي ثوب بزيون، واثني عشر بازيا، وأربعة أكلب من كلاب الصيد، وثلاثة براذين وكان نقفور اشترط ألا يخرب ذا الكلاع ولا صمله ولا حصن سنان، واشترط الرشيد عليه ألا يعمر هرقلة، وعلى ان يحمل نقفور ثلاثمائة ألف دينار.
وخرج في هذه السنة خارجي من عبد القيس يقال له سيف بْن بكر، فوجه إليه الرشيد محمد بْن يزيد بْن مزيد، فقتله بعين النورة.
ونقض أهل قبرس العهد، فغزاهم معيوف بْن يحيى فسبى أهلها.
وحج بالناس فيها عيسى بْن موسى الهادي.