ولعشر خلون من محرّم السنة السادسة، أرسل عليه الصلاة والسلام محمّد بن مسلمة في ثلاثين راكبا …
لشن الغارة على بني بكر بن كلاب الذين كانوا نازلين بناحية ضربة، فسار إليهم يكمن في النهار، ويسير الليل حتى دهمهم، فقتل منهم عشرة، وهرب باقيهم، فاستاقت السرية النّعم والشياه، وعادوا راجعين إلى المدينة، وقد التقوا وهم عائدون بثمامة بن أثال الحنفي من عظماء بني حنيفة فأسروه وهم لا يعرفونه، فلمّا أتوا به رسول الله عرفه وعامله بمنتهى مكارم الأخلاق، فإنه أطلق أساره بعد ثلاث أبى فيها الانقياد للإسلام بعد أن عرض عليه. ولما رأى ثمامة هذه المعاملة، وهذه المكارم، رأى من العبث أن يتبع هواه ويترك دينا عماده المحامد، فرجع إلى رسول الله وأسلم غير مكره، وخاطب الرسول بقوله: يا محمّد والله ما كان على الأرض من وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إليّ، والله ما كان على الأرض من دين أبغض إليّ من دينك، فقد أصبح أحب الدين كله إليّ، والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك، فقد أصبح أحب البلاد إليّ فسرّ عليه الصلاة والسلام كثيرا بإسلامه لأن من ورائه قوما يطيعونه. ولمّا رجع ثمامة إلى بلاده مرّ بمكّة معتمرا وأظهر فيها إسلامه، فأرادت قريش إيذاءه، فذكروا احتياجهم لحبوب اليمامة التي منها ثمامة فتركوه، ومع ذلك فقد حلف، هو الّا يرسل إليهم من اليمامة حبوبا حتى يؤمنوا – فجاهدوا جدا ولم يروا بدّا من الاستغاثة برسول الله فعاملهم عليه الصلاة والسلام بما جبل عليه من الشفقة والمرحمة، وأرسل لثمامة أن يعيد عليهم ما كان يأتيهم من أقوات اليمامة ففعل. وقد كان لهذا الرجل الكريم الأصل، قدم راسخة في الإسلام عقب وفاة الرسول، حينما ارتدّ أكثر أهل بلاده، فكان ينهى قومه عن اتّباع مسيلمة، ويقول لهم: إيّاكم وأمرا مظلما لا نور فيه، وإنه لشقاء كتبه الله على من اتّبعه، فثبت معه كثير من قومه رضي الله عنه.