فمما كَانَ فِيهَا غزوة سَعِيد بن الْعَاصِ طبرستان فِي قول أبي معشر، حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَد بْن ثَابِت، عمن حدثه، عن إِسْحَاق بن عِيسَى، عنه …
وفي قول الْوَاقِدِيّ وقول عَلِيّ بن مُحَمَّد المدائني: حَدَّثَنِي بِذَلِكَ عُمَر بن شَبَّةَ عنه.
وأما سيف بن عمر، فانه ذكر ان اصبهبذها صالح سويد بن مقرن عَلَى أَلا يغزوها، عَلَى مال بذله لَهُ قَدْ مضى ذكري الخبر عن ذَلِكَ قبل فِي أيام عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وأما عَلِيّ بن مُحَمَّد المدائني، فإنه قَالَ- فِيمَا حَدَّثَنِي بِهِ عنه عمر: لم يغزها أحد حَتَّى قام عُثْمَان بن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فغزاها سَعِيد بن الْعَاصِ سنة ثَلاثِينَ.
ذكر الخبر عنه عن غزو سَعِيد بن الْعَاصِ طبرستان
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ حَنَشِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: غَزَا سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ مِنَ الْكُوفَةِ سَنَةَ ثَلاثِينَ يُرِيدُ خُرَاسَانَ، وَمَعَهُ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَمَعَهُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وعبد الله ابن عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ ابن عَامِرٍ مِنَ الْبَصْرَةِ يُرِيدُ خُرَاسَانَ، فَسَبَقَ سَعِيدًا وَنَزَلَ أَبْرَشَهْرَ، وَبَلَغَ نُزُولُهُ أَبْرَشَهْرَ سَعِيدًا فَنَزَلَ سَعِيدٌ قُومِسَ، وَهِيَ صُلْحٌ، صَالَحَهُمْ حُذَيْفَةُ بَعْدَ نَهَاوَنْدَ، فَأَتَى جُرْجَانَ، فَصَالَحُوهُ عَلَى مِائَتَيْ أَلْفٍ، ثُمَّ أَتَى طَمِيسَةَ، وَهِيَ كُلُّهَا مِنْ طَبَرِسْتَانِ جُرْجَانَ، وَهِيَ مَدِينَةٌ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، وَهِيَ فِي تُخُومِ جُرْجَانَ، فَقَاتَلَهُ أَهْلُهَا حَتَّى صَلَّى صَلاةَ الْخَوْفِ، فَقَالَ لِحُذَيْفَةَ:
كَيْفَ صَلَّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ فَأَخْبَرَهُ، فَصَلَّى بِهَا سَعِيدٌٌ صَلاةَ الْخَوْفِ، وَهُمْ يَقْتَتِلُونَ، وَضَرَبَ يَوْمَئِذٍ سَعِيدٌ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ، فَخَرَجَ السَّيْفُ مِنْ تَحْتِ مِرْفَقِهِ، وَحَاصَرَهُمْ، فَسَأَلُوا الأَمَانَ، فَأَعْطَاهُمْ عَلَى أَلا يَقْتُلَ مِنْهُمْ رَجُلا وَاحِدًا، فَفَتَحُوا الْحِصْنَ، فَقَتَلَهُمْ جَمِيعًا إِلا رَجُلا وَاحِدًا، وَحَوَى مَا كَانَ فِي الْحِصْنِ، فَأَصَابَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي نَهْدٍ سَفَطًا عَلَيْهِ قُفْلٌ، فَظَنَّ فِيهِ جَوْهَرًا، وَبَلَغَ سَعِيدًا، فَبَعَثَ إِلَى النَّهْدِيِّ، فَأَتَاهُ بِالسَّفَطِ، فَكَسَرُوا قُفْلَهُ، فَوَجَدُوا فِيهِ سَفَطًا، فَفَتَحُوهُ، فَإِذَا فِيهِ خِرْقَةٌ سَوْدَاءُ مُدْرَجَةٌ فَنَشَرُوهَا، فَوَجَدُوا خِرْقَةً حَمْرَاءَ فَنَشَرُوهَا، فَإِذَا خِرْقَةٌ صَفْرَاءُ، وَفِيهَا أَيْرَانِ: كُمَيْتٍ وَوَرْدٍ، فَقَالَ شَاعِرٌ يَهْجُو بَنِي نَهْدٍ:
آبَ الْكِرَامُ بِالسَّبَايَا غَنِيمَةً *** وَفَازَ بَنُو نَهْدٍ بِأَيْرَيْنِ فِي سَفَطْ
كُمَيْتٍ وَوَرْدٍ وَافِرَيْنِ كِلاهُمَا *** فَظَنُّوهُمَا غُنْمًا فَنَاهِيكَ مِنْ غَلَطْ!
وَفَتَحَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ نَامِيَةَ، وَلَيْسَتْ بِمَدِينَةٍ، هِيَ صَحَارَى.
وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُُ مُجَاهِدٍ، عَنْ حَنَشِ بْنِ مَالِكٍ التَّغْلِبِيِّ، قَالَ: غَزَا سَعِيدٌ سَنَةَ ثَلاثِينَ، فَأَتَى جُرْجَانَ وَطَبَرِسْتَانَ، مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَحَدَّثَنِي عِلْجٌ كَانَ يَخْدُمُهُمْ قال: كنت أتيتهم بِالسُّفْرَةِ، فَإِذَا أَكَلُوا أَمَرُونِي فَنَفَضْتُهَا وَعَلَّقْتُهَا، فَإِذَا أَمْسَوْا أَعْطُونِي بَاقِيَةً قَالَ: وَهَلَكَ مَعَ سَعِيدِ بن العاص محمد بن الحكم ابن أَبِي عَقِيلٍ الثَّقَفِيُّ، جَدُّ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ يُوسُفُ لِقَحْذَمٍ: يَا قَحْذَمُ، أَتَدْرِي أَيْنَ مَاتَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ؟ قَالَ: نَعَمْ، اسْتُشْهِدَ مَعَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِطَبَرِسْتَانَ، قَالَ: لا، مَاتَ بِهَا وَهُوَ مَعَ سَعِيدٍ، ثُمَّ قَفَلَ سَعِيدٌ إِلَى الْكُوفَةِ، فَمَدَحَهُ كَعْبُ بْنُ جُعَيْلٍ، فَقَالَ:
فَنِعْمَ الْفَتَى إِذْ جَالَ جَيْلانُ دُونَهُ *** وَإِذْ هَبَطُوا مِنْ دَسْتَبَى ثُمَّ أَبْهَرَا
تَعَلَّمْ سَعِيدُ الْخَيْرِ أَنَّ مَطِيَّتِي *** إِذَا هَبَطَتْ أَشْفَقْتُ مِنْ أَنْ تُعَقَّرَا
كَأَنَّكَ يَوْمَ الشِّعْبِ لَيْثُ خَفِيَّةٍ *** تَحَرَّدَ مِنْ لَيْثِ الْعَرِينِ وَأَصْحَرَا
تَسُوسُ الَّذِي مَا سَاسَ قَبْلَكَ وَاحِدٌ *** ثَمَانِينَ أَلْفًا دَارِعِينَ وَحُسَّرَا
وَحَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، عَنْ كُلَيْبِ بْنِ خَلَفٍ وَغَيْرِهِ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ صَالَحَ أَهْلَ جُرْجَانَ، ثُمَّ امْتَنَعُوا وَكَفَرُوا، فَلَمْ يَأْتِ جُرْجَانَ بَعْدَ سَعِيدٍ أَحَدٌ، وَمَنَعُوا ذَلِكَ الطَّرِيقَ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَسْلُكُ طَرِيقَ خُرَاسَانَ مِنْ نَاحِيَةِ قُومِسَ إِلا عَلَى وَجَلٍ وَخَوْفٍ مِنْ أَهْلِ جُرْجَانَ، وَكَانَ الطَّرِيقُ إِلَى خُرَاسَانَ مِنْ فَارِسٍ إِلَى كَرْمَانَ، فَأَوَّلُ مَنْ صَيَّرَ الطَّرِيقَ مِنْ قُومِسَ قُتَيْبَةُ ابن مُسْلِمٍ حِينَ وَلِيَ خُرَاسَانَ.
وَحَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، عَنْ كُلَيْبِ بْنِ خَلَفٍ الْعَمِّيِّ، عَنْ طُفَيْلِ بْنِ مِرْدَاسٍ الْعَمِّيِّ وَإِدْرِيسَ بْنِ حَنْظَلَةَ الْعَمِّيِّ، إِنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ صَالَحَ أَهْلَ جُرْجَانَ، وَكَانُوا يُجْبُونَ أَحْيَانًا مِائَةَ أَلْفٍ وَيَقُولُونَ:
هَذَا صُلْحُنَا، وَأَحْيَانًا مِائَتَيْ أَلْفٍ، وَأَحْيَانًا ثلاثمائه أَلْفٍ، وَكَانُوا رُبَّمَا أَعْطَوْا ذَلِكََ وَرُبَّمَا مَنَعُوهُ، ثُمَّ امْتَنَعُوا وَكَفَرُوا، فَلَمْ يُعْطُوا خَرَاجًا حَتَّى أَتَاهُمْ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ، فَلَمْ يُعَازِّهِ أَحَدٌ حِينَ قَدِمَهَا، فَلَمَّا صَالَحَ صُولا وَفَتَحَ الْبَحِيرَةَ وَدِهِسُتَانَ صَالَحَ أَهْلَ جُرْجَانَ عَلَى صُلْحِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ- أَعْنِي سَنَةَ ثَلاثِينَ- عَزَلَ عُثْمَانُ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ عَنِِ الْكُوفَةِ، وَوَلاهَا سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ فِي قَوْلِ سَيْفِ بْنِ عُمَرَ.
ذِكْرُ السَّبَبِ فِي عَزْلِ عُثْمَانُ الْوَلِيدَ عَنِ الْكُوفَةِ وَتَوْلِيَتِهِ سَعِيدًا عَلَيْهَا
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سيف، عن محمد وطلحة، قالا: لما بلغ عثمان الَّذِي كَانَ بَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسَعْدٍ غَضِبَ عَلَيْهِمَا وَهَمَّ بِهِمَا، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ وَعَزَلَ سَعْدًا، وَأَخَذَ مَا عَلَيْهِ، وَأَقَرَّ عَبْدَ اللَّهِ، وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ، وَأَمَّرَ مَكَانَ سَعْدٍ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ- وَكَانَ عَلَى عَرَبِ الْجَزِيرَةِ عَامِلا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- فَقَدِمَ الْوَلِيدُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ إِمَارَةِ عُثْمَانَ، وَقَدْ كَانَ سَعْدٌ عَمِلَ عَلَيْهَا سَنَةً وَبَعْضَ أُخْرَى، فَقَدِمَ الْكُوفَةَ، وَكَانَ أَحَبَّ النَّاسِ فِي النَّاسِ وَأَرْفَقَهُمْ بِهِمْ، فَكَانَ كَذَلِكَ خَمْسَ سِنِينَ، وَلَيْسَ عَلَى دَارِهِ بَابٌ ثُمَّ إِنَّ شَبَابًا مِنْ شَبَابِ أَهْلِ الْكُوفَةِ نَقَبُوا عَلَى ابْنِ الْحَيْسُمَانِ الْخُزَاعِيِّ، وَكَاثَرُوهُ، فَنَذَرَ بِهِمْ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ بِالسَّيْفِ، فَلَمَّا رَأَى كَثْرَتَهُمُ اسْتَصْرَخَ، فَقَالُوا لَهُ: اسْكُتْ، فَإِنَّمَا هِيَ ضَرْبَةٌ حَتَّى نُرِيحَكَ مِنْ رَوْعَةِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ- وَأَبُو شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيُّ مُشْرِفٌ عَلَيْهِمْ- فَصَاحَ بِهِمْ وَضَرَبُوهُ فَقَتَلُوهُ، وَأَحَاطَ النَّاسُ بِهِمْ فَأَخَذُوهُمْ، وَفِيهِمْ زُهَيْرُ بْنُ جُنْدُبٍ الأَزْدِيُّ وَمُوَرِّعُ بْنُ أَبِي مُوَرِّعٍ الأَسَدِيُّ، وَشُبَيْلُ بْنُ أُبَيٍّ الأَزْدِيُّ، فِي عِدَّةٍ فَشَهِدَ عَلَيْهِمْ أَبُو شُرَيْحٍ وَابْنُهُ أَنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَيْهِ، فَمَنَعَ بَعْضَهُمْ بَعْضًا مِنَ النَّاسِ، فَقَتَلَهُ بَعْضُهُمْ، فَكَتَبَ فِيهِمْ إِلَى عُثْمَانَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ فِي قَتْلِهِمْ، فَقَتَلَهُمْ عَلَى بَابِ الْقَصْرِ فِي الرَّحْبَةِ، وَقَالَ فِي ذَلِكَ عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ التَّمِيمِيُّ:
لا تَأْكُلُوا أَبَدًا جِيرَانَكُمْ سَرَفًا *** أَهْلَ الزَّعَارَةِ فِي مُلْكِ ابْنِ عَفَّانِ
وَقَالَ أَيْضًا:
إِنَّ ابْنَ عَفَّانَ الَّذِي جَرَّبْتُمُ *** فَطَمَ اللُّصُوصَ بِمُحْكَمِ الْفُرْقَانِ
مَا زَالَ يَعْمَلُ بِالْكِتَابِ مُهَيْمِنًا *** فِي كُلِّ عُنْقٍ مِنْهُمُ وَبِنَانِ
وَكَتَبَ إِلَيَّ السري، عن شعيب، عن سيف، عن عبد اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيُّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَتَحَوَّلَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْكُوفَةِ لِيَدْنُوَ مِنَ الْغَزْوِ، فَبَيْنَا هُوَ لَيْلَةً عَلَى السَّطْحِ، إِذِ اسْتَغَاثَ جَارُهُ، فَأَشْرَفَ فَإِذَا هُوَ بِشَبَابٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَدْ بَيَّتُوا جَارَهُ، وَجَعَلُوا يَقُولُونَ لَهُ: لا تُصِحْ، فَإِنَّمَا هِيَ ضَرْبَةٌ حَتَّى نُرِيحَكَ، فَقَتَلُوهُ فَارْتَحَلَ إِلَى عُثْمَانَ، وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَنَقَلَ أَهْلَهُ، وَلِهَذَا الْحَدِيثِ حين كثر أُحْدِثَتِ الْقَسَامَةُ، وَأُخِذَ بِقَوْلِ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ: لِيَفْطِمَ النَّاسَ عَنِ الْقَتْلِ عَنْ مَلإٍ مِنَ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ.
وَكَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كُرَيْبٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ عُثْمَانُ: الْقَسَامَةُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلِيَائِهِ، يُحَلِّفُ مِنْهُمْ خَمْسُونَ رَجُلا إِذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، فَإِنْ نَقَصَتْ قَسَامَتُهُمْ، أَوْ إِنْ نَكَلَ رَجُلٌ وَاحِدٌ رُدَّتْ قَسَامَتُهُمْ وَوَلِيَهَا الْمُدَّعُونَ، وَأُحْلِفُوا، فَإِنْ حَلَفَ مِنْهُمْ خمسون استحقوا وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن الغصن بن الْقَاسِم، عن عون بن عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ مما أحدث عُثْمَان بالكوفة إِلَى مَا كَانَ من الخبر أنه بلغه أن أبا سمال الأسدي فِي نفر من أهل الْكُوفَة، ينادي مناد لَهُمْ إذا قدم الميار: من كان هاهنا من كلب أو بني فلان ليس لقومهم بها منزل فمنزله على ابى سمال فاتخذ موضع دار عقيل دار الضيفان ودار ابن هبار، وَكَانَ منزل عَبْد اللَّهِ بن مسعود فِي هذيل فِي موضع الرمادة، فنزل موضع داره، وترك داره دار الضيافة، وَكَانَ الأضياف ينزلون داره فِي هذيل إذا ضاق عَلَيْهِم مَا حول المسجد وَكَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عن الْمُغِيرَة بن مقسم، عمن أدرك من علماء أهل الْكُوفَة، إن أبا سمال كَانَ ينادي مناديه فِي السوق والكناسة: من كان هاهنا من بني فلان وفلان- لمن ليست لَهُ بِهَا خطة- فمنزله عَلَى أبي سمال، فاتخذ عُثْمَان للأضياف منازل.
وَكَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عن مولى لآل طَلْحَة، عن مُوسَى بن طَلْحَة مثله وَكَتَبَ إِلَيَّ السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وَطَلْحَةَ، قَالا: كَانَ عُمَر بن الْخَطَّابِ قَدِ استعمل الْوَلِيد بن عُقْبَةَ عَلَى عرب الجزيرة، فنزل فِي بني تغلب وَكَانَ أَبُو زبيد فِي الْجَاهِلِيَّة والإسلام فِي بني تغلب حَتَّى أسلم، وكانت بنو تغلب أخواله، فاضطهده أخواله دينا لَهُ، فأخذ لَهُ الْوَلِيد بحقه، فشكرها لَهُ أَبُو زبيد، وانقطع إِلَيْهِ، وغشيه بِالْمَدِينَةِ، فلما ولي الْوَلِيد الْكُوفَة أتاه مسلما معظما عَلَى مثل مَا كَانَ يأتيه بالجزيرة والمدينة، فنزل دار الضيفان، وآخر قدمة قدمها أَبُو زبيد عَلَى الْوَلِيدِ، وَقَدْ كَانَ ينتجعه ويرجع، وَكَانَ نصرانيا قبل ذَلِكَ، فلم يزل الْوَلِيد بِهِ وعنه حَتَّى أسلم فِي آخر إمارة الْوَلِيد، وحسن إسلامه، فاستدخله الْوَلِيد، وَكَانَ عربيا شاعرا حين قام عَلَى الإِسْلام، فأتى آت أبا زينب وأبا مورع وجندبا، وهم يحقدون لَهُ مذ قتل أبناءهم، ويضعون لَهُ العيون، فَقَالَ لَهُمْ: هل لكم فِي الْوَلِيدِ يشارب أبا زبيد؟ فثاروا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو زينب وأبو مورع وجندب لأناس من وجوه أهل الْكُوفَة: هَذَا أميركم وأبو زبيد خيرته، وهما عاكفان عَلَى الخمر، فقاموا معهم- ومنزل الْوَلِيد فِي الرحبة مع عمارة بن عُقْبَةَ، وليس عَلَيْهِ باب- فاقتحموا عَلَيْهِ من المسجد وبابه إِلَى الْمَسْجِدِ، فلم يفجأ الْوَلِيد إلا بهم، فنحى شَيْئًا، فأدخله تحت السرير، فأدخل بعضهم يده فأخرجه لا يؤامره، فإذا طبق عَلَيْهِ تفاريق عنب- وإنما نحاه استحياء أن يروا طبقه ليس عَلَيْهِ إلا تفاريق عنب- فقاموا فخرجوا عَلَى الناس، فأقبل بعضهم عَلَى بعض يتلاومون، وسمع الناس بِذَلِكَ، فأقبل الناس عَلَيْهِم يسبونهم ويلعنونهم، ويقولون: أقوام غضب اللَّه لعمله، وبعضهم أرغمه الكتاب، فدعاهم ذَلِكَ إِلَى التحسس والبحث، فستر عَلَيْهِم الْوَلِيد ذَلِكَ، وطواه عن عُثْمَان، ولم يدخل بين الناس فِي ذَلِكَ بشيء، وكره أن يفسد بينهم، فسكت عن ذَلِكَ وصبر.
وَكَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عن الفيض بن مُحَمَّدٍ، قَالَ: رأيت الشَّعْبِيّ جلس إِلَى مُحَمَّد بن عَمْرو بن الْوَلِيد- يعني ابن عقبة- وَهُوَ خليفة مُحَمَّد بن عَبْد الْمَلِكِ، فذكر مُحَمَّد غزو مسلمة، فَقَالَ: كيف لو أدركتم الْوَلِيد، غزوه وإمارته! إن كَانَ ليغزو فينتهي إِلَى كذا وكذا، مَا قصر وَلا انتقض عَلَيْهِ أحد حَتَّى عزل عن عمله، وعلى الباب يَوْمَئِذٍ عبد الرَّحْمَن بن رَبِيعَة الباهلي، وإن كَانَ مما زاد عُثْمَان بن عَفَّانَ الناس عَلَى يده أن رد عَلَى كل مملوك بالكوفة من فضول الأموال ثلاثة فِي كل شهر، يتسعون بِهَا مِنْ غَيْرِ أن ينقص مواليهم من أرزاقهم.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عن الغصن بن الْقَاسِم، عن عون بن عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: جَاءَ جندب ورهط مَعَهُ إِلَى ابن مسعود، فَقَالُوا:
الْوَلِيد يعتكف عَلَى الخمر، وأذاعوا ذَلِكَ حَتَّى طرح عَلَى ألسن الناس،، فَقَالَ ابن مسعود: من استتر عنا بشيء لم نتتبع عورته، ولم نهتك ستره، فأرسل إِلَى ابن مسعود فأتاه فعاتبه فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: أيرضى من مثلك بأن يجيب قوما موتورين بِمَا أجبت علي! أي شَيْء أستتر بِهِ! إنما يقال هَذَا للمريب، فتلاحيا وافترقا عَلَى تغاضب، لَمْ يَكُنْ بينهما أكثر مِنْ ذَلِكَ.
وَكَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عن سيف، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ، قَالا: وَأُتِيََ الْوَلِيدُ بِسَاحِرٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ يَسْأَلُهُ عَنْ حَدِّهِ، فَقَالَ:
وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهُ سَاحِرٌ! قَالَ: زَعَمَ هَؤُلاءِ النَّفَرِ- لِنَفَرٍ جَاءُوا بِهِ- أَنَّهُ سَاحِرٌ، قَالَ: وَمَا يُدْرِيكُمْ أَنَّهُ سَاحِرٌ! قَالُوا: يَزْعُمُ ذاك، قَالَ: أَسَاحِرٌ أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَتَدْرِي مَا السِّحْرُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَثَارَ إِلَى حِمَارٍ، فَجَعَلَ يَرْكَبُهُ مِنْ قِبَلِ ذَنَبِهِ، وَيُرِيهِمْ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ وَاسْتِهِ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَاقْتُلْهُ فَانْطَلَقَ الْوَلِيدُ، فَنَادَوْا فِي الْمَسْجِدِ أَنَّ رَجُلا يَلْعَبُ بِالسِّحْرِ عِنْدَ الْوَلِيدِ، فَأَقْبَلُوا، وَأَقْبَلَ جُنْدُبٌ- وَاغْتَنَمَهَا- يَقُولُ: أَيْنَ هُوَ؟ أَيْنَ هُوَ؟ حَتَّى أُرِيَهُ! فَضَرَبَهُ، فَاجْتَمَعَ عَبْدُ اللَّهِ وَالْوَلِيدُ عَلَى حَبْسِهِ، حَتَّى كَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ، فَأَجَابَهُمْ عُثْمَانُ أَنِ اسْتَحْلِفُوهُ بِاللَّهِ مَا عَلِمَ بِرَأْيِكُمْ فِيهِ وَإِنَّهُ لَصَادِقٌ بِقَوْلِهِ فِيمَا ظَنَّ مِنْ تَعْطِيلِ حَدِّهِ وَعَزِّرُوهُ، وَخَلُّوا سَبِيلَهُ وَتَقَدَّمْ إِلَى النَّاسِ فِي أَلا يَعْمَلُوا بِالظُّنُونِ، وَأَلا يُقِيمُوا الْحُدُودَ دُونَ السُّلْطَانِ، فَإِنَّا نُقَيِّدُ الْمُخْطِئَ، وَنُؤَدِّبُ الْمُصِيبَ فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِ، وَتُرِكَ لأَنَّهُ أَصَابَ حَدًّا، وَغَضِبَ لِجُنْدُبٍ أَصْحَابُهُ، فَخَرَجُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، فِيهِمْ أَبُو خُشَّةَ الْغِفَارِيُّ وَجَثَّامَةُ بْنُ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ وَمَعَهُمْ جُنْدُبٌ، فَاسْتَعْفَوْهُ مِنَ الْوَلِيدِ، فَقَالَ لَهُمْ عُثْمَانُ: تَعْمَلُونَ بِالظُّنُونِ، وَتُخْطِئُونَ فِي الإِسْلامِ، وَتَخْرُجُونَ بِغَيْرِ إِذْنٍ، ارْجِعُوا فَرَدَّهُمْ، فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى الْكُوفَةِ، لَمْ يَبْقَ مَوْتُورٌ فِي نَفْسِهِ إِلا أَتَاهُمْ، فَاجْتَمَعُوا عَلَى رَأْيٍ فَأَصْدَرُوهُ، ثُمَّ تَغَفَّلُوا الْوَلِيدَ- وَكَانَ لَيْسَ عَلَيْهِ حِجَابٌ- فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو زَيْنَبَ الأَزْدِيُّ وَأَبُو مُوَرِّعٍ الأَسَدِيُّ، فَسَلا خَاتَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَا إِلَى عُثْمَانَ، فَشَهِدَا عَلَيْهِ، وَمَعَهُمَا نَفَرٌ مِمَّنْ يُعْرَفُ مِنْ أَعْوَانِهِمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ، فَلَمَّا قَدِمَ أَمَرَ به سعيد ابن الْعَاصِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْشُدُكَ اللَّهَ! فو الله إِنَّهُمَا لَخَصْمَانِ مَوْتُورَانِ فَقَالَ: لا يَضُرُّكَ ذَلِكَ، إِنَّمَا نَعْمَلُ بِمَا يَنْتَهِي إِلَيْنَا، فَمَنْ ظَلَمَ فَاللَّهُ وَلِيُّ انْتِقَامِهِ، وَمَنْ ظَلَمَ فَاللَّهُ وَلِيُّ جَزَائِهِ.
كَتَبَ إِلَيَّ السري، عن شعيب، عن سيف، عن أبي غَسَّانَ سَكَنِ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: اجْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَعَمِلُوا فِي عَزْلِ الْوَلِيدِ، فَانْتُدِبَ أَبُو زَيْنَبَ بْنُ عَوْفٍ وَأَبُو مُوَرَّعِ بْنُ فُلانٍ الأَسَدِيُّ لِلشَّهَادَةِ عليه، فغشوا الوليد، وأكبوا عليه، فبيناهم مَعَهُ يَوْمًا فِي الْبَيْتِ وَلَهُ امْرَأَتَانِ فِي الْمَخْدَعِ، بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ سِتْرٌ، إِحْدَاهُمَا بِنْتُ ذِي الْخِمَارِ وَالأُخْرَى بِنْتُ أَبِي عَقِيلٍ، فَنَامَ الْوَلِيدُ، وَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ عَنْهُ، وَثَبُتَ أَبُو زَيْنَبَ وَأَبُو مَوَرَّعٍ، فَتَنَاوَلَ أَحَدُهُمَا خَاتَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَا، فَاسْتَيْقَظَ الْوَلِيدُ وَامْرَأَتَاهُ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَلَمْ يَرَ خَاتَمَهُ، فَسَأَلَهُمَا عَنْهُ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُمَا مِنْهُ عِلْمًا، قَالَ: فَأَيُّ الْقَوْمِ تَخَلَّفَ عَنْهُمْ؟ قَالَتَا: رجلان لا نعرفهما، ما غشياك الا منذ قَرِيبٍ.
قَالَ: حَلِّيَاهُمَا، فَقَالَتَا: عَلَى أَحَدِهِمَا خَمِيصَةٌ، وَعَلَى الآخَرِ مِطْرَفٌ، وَصَاحِبُُ الْمِطْرَفِ أَبْعَدُهُمَا مِنْكَ، فَقَالَ: الطُّوَالُ؟ قَالَتَا: نَعَمْ، وَصَاحِبُ الْخَمِيصَةِ أَقْرَبُهُمَا إِلَيْكَ، فَقَالَ: الْقَصِيرُ؟ قَالَتَا: نَعَمْ، وَقَدْ رَأَيْنَا يَدَهُ عَلَى يَدِكَ قَالَ: ذَاكَ أَبُو زَيْنَبَ، وَالآخَرُ أَبُو مُوَرَّعٍ، وَقَدْ أَرَادَا دَاهِيَةً، فَلَيْتَ شِعْرِي مَاذَا يُرِيدَانِ! فَطَلَبَهُمَا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمَا، وَكَانَ وَجْهُهُمَا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَقَدِمَا عَلَى عُثْمَانَ، وَمَعَهُمَا نَفَرٌ مِمَّنْ يَعْرِف عُثْمَانُ، مِمَّنْ قَدْ عَزَلَ الْوَلِيدُ عَنِ الأَعْمَالِ، فَقَالُوا لَهُ، فَقَالَ: مَنْ يَشْهَدُ؟ قَالُوا: أَبُو زَيْنَبَ وَأَبُو مُوَرَّعٍ، وكاع الآخَرَانِ، فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتُمَا؟ قَالا: كُنَّا مِنْ غَاشِيَتِهِ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَهُوَ يَقِيءُ الْخَمْرَ، فَقَالَ: مَا يَقِيءُ الْخَمْرَ إِلا شَارِبُهَا فَبَعَثَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ رَآهُمَا، فَقَالَ مُتَمَثِّلا:
مَا إِنْ خَشِيتُ عَلَى أَمْرٍ خَلَوْتُ بِهِ *** فَلَمْ أَخَفْكَ عَلَى أَمْثَالِهَا حَار
فَحَلَفَ لَهُ الْوَلِيدُ وَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُمْ، فَقَالَ: نُقِيمُ الْحُدُودَ وَيَبُوءُ شَاهِدُ الزُّورِ بِالنَّارِ، فَاصْبِرْ يَا أُخَيَّ! فَأَمَرَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ فَجَلَدَهُ، فَأَوْرَثَ ذَلِكَ عَدَاوَةً بَيْنَ وَلَدَيْهِمَا حَتَّى الْيَوْمِ، وَكَانَتْ عَلَى الْوَلِيدِ خَمِيصَةٌ يَوْمَ أُمِرَ بِهِ أَنْ يُجْلَدَ، فنزعها عنه على بن ابى طالب عليه السلام.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عَنْ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ الإِيَادِيِّ، قَالَ: خَرَجَ أَبُو زَيْنَبَ وَأَبُو مُوَرَّعٍ حَتَّى دَخَلا عَلَى الْوَلِيدِ بَيْتَهُ، وَعِنْدَهُ امْرَأَتَانِ: بِنْتُ ذِي الْخِمَارِ وَبِنْتُ أَبِي عَقِيلٍ، وَهُوَ نَائِمٌ، قَالَتْ إِحْدَاهُمَا: فَأَكَبَّ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا فَأَخَذَ خَاتَمَهُ، فَسَأَلَهُمَا حِينَ اسْتَيْقَظَ، فَقَالَتَا: مَا أَخَذْنَاهُ، قَالَ: مَنْ بَقِيَ آخِرَ الْقَوْمِ؟ قَالَتَا: رَجُلانِ، رَجُلٌ قَصِيرٌ عَلَيْهِ خَمِيصَةٌ، وَرَجُلٌ طَوِيلٌ عَلَيْهِ مِطْرَفٌ، وَرَأَيْنَا صَاحِبَ الْخَمِيصَةِ أَكَبَّ عَلَيْكَ، قَالَ: ذَاكَ أَبُو زَيْنَبَ فَخَرَجَ يَطْلُبُهُمَا، فَإِذَا هُوَ وَجْهُهُمَا عَنْ مَلإٍ مِنْ أَصْحَابٍ لَهُمَا، وَلا يَدْرِي الْوَلِيدُ مَا أَرَادَا مِنْ ذَلِكَ فَقَدِمَا عَلَى عُثْمَانَ، فَأَخْبَرَاهُ الْخَبَرَ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْوَلِيدِ، فَقَدِمَ، فَإِذَا هُوَ بِهِمَا وَدَعَا بِهِمَا عُثْمَانُ، فَقَالَ: بِمَ تَشْهَدَانِ؟ أَتَشْهَدَانِ أَنَّكُمَا رَأَيْتُمَاهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ؟ فَقَالا: لا، وَخَافَا، قَالَ: فَكَيْفَ؟ قَالا: اعْتَصَرْنَاهَا مِنْ لِحْيَتِهِ وَهُوَ يَقِيءُ الْخَمْرَ فَأَمَرَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ فَجَلَدَهُ، فَأَوْرَثَ ذَلِكَ عَدَاوَةً بَيْنَ أَهْلِيهِمَا.
وَكَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي الْعَرِيفِ ويزيدِ الْفَقْعَسِيِّ، قَالا: كَانَ النَّاسُ فِي الْوَلِيدِ فِرْقَتَيْنِ: الْعَامَّةُ مَعَهُ وَالْخَاصَّةُ عَلَيْهِ، فَمَا زَالَ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ خُشُوعٌ حَتَّى كَانَتْ صِفِّينَ، فَوَلَّى مُعَاوِيَةَ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: عِيبَ عثمان بالباطل، [فقال لهم على ع:
إِنَّكُمْ وَمَا تُعَيِّرُونَ بِهِ عُثْمَانَ كَالطَّاعِنِ نَفْسَهُ لِيَقْتُلَ رِدْفَهُ، مَا ذَنْبُ عُثْمَانَ فِيي رَجُلٍ قَدْ ضَرَبَهُ بِفِعْلِهِ، وَعَزَلَهُ عَنْ عَمَلِهِ! وَمَا ذَنْبُ عُثْمَانَ فِيمَا صَنَعَ عَنْ أَمْرِنَا!] وَكَتَبَ إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كُرَيْبٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِذَا جُلِدَ الرَّجُلُ الْحَدَّ ثُمَّ ظَهَرَتْ تَوْبَتُهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُ.
وَكَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عن أبي كبران، عن مولاةة لَهُمْ- وأثنى عَلَيْهَا خيرا- قالت: كَانَ الْوَلِيد أدخل عَلَى الناس خيرا، حَتَّى جعل يقسم للولائد والعبيد، وَلَقَدْ تفجع عَلَيْهِ الأحرار والمماليك، كَانَ يسمع الولائد وعليهن الحداد يقلن:
يَا ويلتا قَدْ عزل الْوَلِيد *** وجاءنا مجوعا سَعِيد
ينقص فِي الصاع وَلا يَزِيد *** فجوع الإماء والعبيد
وَكَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عن الغصن بن الْقَاسِم، قَالَ: كَانَ الناس يقولون حين عزل الْوَلِيد وأمر سَعِيد:
لا يبعد الملك إذ ولت شمائله *** وَلا الرياسة لما راس كتاب
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ بِإِسْنَادِهِمَا، قَالا: قَدِم سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ فِي سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ إِمَارَةِ عُثْمَانَ، وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ بَقِيَّةَ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَكَانَ أَهْلُهُ كَثِيرًا تَتَابَعُوا، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ الشَّامَ قَدِمَهَا، فَأَقَامَ مَعَ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ يَتِيمًا نَشَأَ فِي حِجْرِ عُثْمَانَ، فَتَذَكَّرَ عُمَرُ قُرَيْشًا، وَسَأَلَ عَنْهُ فِيمَا يَتَفَقَّدُ مِنْ أُمُورِ النَّاسِ، فَقِيلَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هُوَ بِدِمَشْقَ، عَهِدَ الْعَاهِدُ بِهِ وَهُوَ مَأْمُومٌ بِالْمَوْتِ فأرسل الى معاويه: ان ابعث لي سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ فِي مَنْقِلٍ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَيْهِ وَهُوَ دَنِفٌ، فَمَا بَلَغَ الْمَدِينَةَ حَتَّى افاق، فقال: يا بن أَخِي، قَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ بَلاءٌ وَصَلاحٌ، فَازْدَدْ يَزِدْكَ اللَّهُ خَيْرًا وَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ زَوْجَةٍ؟ قَالَ: لا، قَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو، مَا مَنَعَكَ مِنْ هَذَا الْغُلامِ أَنْ تَكُونَ زَوَّجْتَهُ؟ قَالَ: قَدْ عَرَضْتُ عَلَيْهِ فَأَبَى، فَخَرَجَ يَسِيرُ فِي الْبَرِّ، فَانْتَهَى إِلَى مَاءٍ، فَلَقِيَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ، فَقُمْنَ لَهُ، فَقَالَ: مَا لَكُنَّ؟ وَمَنْ أَنْتُنَّ؟ فَقُلْنَ: بَنَاتُ سُفْيَانَ بْنِ عُوَيْفٍ- وَمَعَهُنَّ أُمُّهُنَّ- فَقَالَتْ: أُمُّهُنَّ: هَلَكَ رِجَالُنَا، وَإِذَا هَلَكَ الرِّجَالُ ضَاعَ النِّسَاءُ، فَضَعْهُنَّ فِي أَكْفَائِهِنَّ، فَزَوَّجَ سَعِيدًا إِحْدَاهُنَّ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ الأُخْرَى، وَالْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ الثَّالِثَةَ، وَأَتَاهُ بِنَاتُ مَسْعُودِ بْنِ نُعَيْمٍ النَّهْشَلِيِّ، فَقُلْنَ: قَدْ هَلَكَ رِجَالُنَا، وَبَقِيَ الصِّبْيَانُ، فَضَعْنَا فِي أَكْفَائِنَا، فَزَوَّجَ سَعِيدًا إِحْدَاهُنَّ، وَجُبَيْرَ بْنَ مُطْعَمٍ إِحْدَاهُنَّ، فَشَارَكَ سَعِيدٌ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ، وَقَدْ كَانَ عُمُومُتُهُ ذَوِي بَلاءٍ فِي الإِسْلامِ، وَسَابِقَةٍ حَسَنَةٍ، وَقِدْمَةٍ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يَمُتْ عُمَرُ حَتَّى كَانَ سَعِيدٌ مِنْ رجال الناس فَقَدِمَ سَعِيدٌ الْكُوفَةَ فِي خِلافَةِ عُثْمَانَ أَمِيرًا، وَخَرَجَ مَعَهُ مِنْ مَكَّةَ- أَوِ الْمَدِينَةِ- الأَشْتَرُ وَأَبُو خُشَّةَ الْغِفَارِيُّ وَجُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو مُصْعَبِ بْنُ جَثَّامَةَ- وَكَانُوا فِيمَنْ شَخِصَ مَعَ الْوَلِيدِ يَعِيبُونَهُ، فَرَجَعُوا مَعَ هَذَا- فَصَعِدَ سَعِيدٌ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ بُعِثْتُ إِلَيْكُمْ وَإِنِّي لَكَارِهٌ، وَلَكِنِّي لَمْ أَجِدْ بُدًّا إِذْ أُمِرْتُ أَنْ آتَمِرَ إِلا أَنَّ الْفِتْنَةَ قَدْ أَطْلَعَتْ خَطْمَهَا وَعَيْنَيْهَا، وو الله لأَضْرِبَنَّ وَجْهَهَا حَتَّى أَقْمَعَهَا أَوْ تُعْيِينِي، وَإِنِّي لَرَائِدٌ نَفْسِي الْيَوْمَ وَنَزَلَ. وَسَأَلَ عَنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَأُقِيمَ عَلَى حَالِ أَهْلِهَا.
فَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ بِالَّذِي انْتَهَى إِلَيْهِ: إِنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ قَدِ اضَطَرَبَ أَمْرُهُمْ،، وَغَلَبَ أَهْلُ الشَّرَفِ مِنْهُمْ وَالْبُيُوتَاتِ وَالسَّابِقَةِ وَالْقِدْمَةِ، وَالْغَالِبُ عَلَى تِلْكَ الْبِلادِ رَوَادِفٌ رَدِفَتْ، وَأَعْرَابٌ لَحِقَتْ، حَتَّى مَا يُنْظَرُ إِلَى ذِي شَرَفٍ وَلا بَلاءٍ مِنْ نَازِلَتِهَا وَلا نَابِتَتِهَا.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ: أَمَّا بَعْدُ، فَفَضِّلْ أَهْلَ السَّابِقَةِ وَالْقِدْمَةِ مِمَّنْ فَتَحَ اللَّهُُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْبِلادِ، وَلْيَكُنْ مَنْ نَزَلَهَا بِسَبَبِهِمْ تَبِعًا لَهُمْ، إِلا أَنْ يَكُونُوا تَثَاقَلُوا عَنِ الْحَقِّ، وَتَرَكُوا الْقِيَامَ بِهِ وَقَامَ بِهِ هَؤُلاءِ وَاحْفَظْ لِكُلٍّ مَنْزِلَتَهُ، وَأَعْطِهِمْ جَمِيعًا بِقِسْطِهِمْ مِنَ الْحَقِّ، فَإِنَّ الْمَعْرِفَةَ بِالنَّاسِ بِهَا يُصَابُ الْعَدْلُ.
فأرسل سعيدا إِلَى وُجُوهِ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الأَيَّامِ وَالْقَادِسِيَّةِ، فَقَالَ: أَنْتُمْْ وُجُوهُ مَنْ وَرَاءَكُمْ، وَالْوَجْهُ يُنْبِئُ عَنِ الْجَسَدِ، فَأَبْلِغُونَا حَاجَةَ ذِي الْحَاجَةِ وَخُلَّةَ ذِي الْخُلَّةِ وَأَدْخَلَ مَعَهُمْ مَنْ يَحْتَمِلُ مِنَ اللَّوَاحِقِ وَالرَّوَادِفِ، وَخَلَصَ بِالْقُرَّاءِ وَالْمُتَسَمِّتِينَ فِي سَمَرِهِ، فَكَأَنَّمَا كَانَتِ الْكُوفَةُ يَبْسًا شَمِلَتْهُ نَارٌ، فَانْقَطَعَ إِلَى ذَلِكَ الضَّرْبِ ضَرْبُهُمْ، وَفَشَتِ الْقَالَةُ وَالإِذَاعَةُ فَكَتَبَ سَعِيدٌ إِلَى عُثْمَانَ بِذَلِكَ، فَنَادَى مُنَادِي عُثْمَانَ: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ! فَاجْتَمَعُوا، فَأَخْبَرَهُمْ بِالَّذِي كَتَبَ بِهِ إِلَى سَعِيدٍ، وَبِالَّذِي كَتَبَ بِهِ إِلَيْهِ فِيهِمْ، وَبِالَّذِي جَاءَهُ مِنَ الْقَالَةِ وَالإِذَاعَةِ، فَقَالُوا: اصبت فلا تسعفهم في ذلك، ولا تطعمهم فِيمَا لَيْسُوا لَهُ بِأَهْلٍ، فَإِنَّهُ إِذَا نَهَضَ فِي الأُمُورِ مَنْ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ لَمْ يحتملها وأفسدها فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ اسْتَعِدُّوا وَاسْتَمْسِكُوا، فَقَدْ دَبَّتْ إِلَيْكُمُ الْفِتَنُ.
وَنَزَلَ فَأَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ، وَتَمَثَّلَ مَثَلَهُ وَمَثَلَ هَذَا الضَّرْبَ الَّذِينَ شَرَعُوا فِيي الْخِلافِ:
أَبَنِي عُبَيْدٍ قَدْ أَتَى أَشْيَاعُكُمْ *** عَنْكُمْ مَقَالَتْكُمْ وَشِعْرُ الشَّاعِرِ
فَإِذَا أَتَتْكُمْ هَذِهِ فَتَلَبَّسُوا *** إِنَّ الرِّمَاحَ بَصِيرَةٌ بِالْحَاسِرِ
كَتَبَ إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ أَرْوَى النَّاسِ لِلْبَيْتِ وَالْبَيْتَيْنِ وَالثَّلاثَةِ إِلَى الْخَمْسَةِ.
كَتَبَ إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِِ الْجُمَحِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ لأَبِي: إِنَّ عُثْمَانَ جَمَعَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، إِنَّ النَّاسَ يَتَمَخَّضُونَ بِالْفِتْنَةِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لأَتَخَلَّصَنَّ لَكُمُ الَّذِي لَكُمْ حَتَّى أَنْقِلَهُ إِلَيْكُمْ إِنْ رَأَيْتُمْ ذَلِكَ، فَهَلْ تَرَوْنَهُ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْ شَهِدَ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ الْفُتُوحَ فِيهِ، فَيُقِيمَ مَعَهُ فِي بِلادِهِ؟ فَقَامَ أُولَئِكَ، وَقَالُوا: كَيْفَ تَنْقِلُ لَنَا مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنَ الأَرْضِينَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: نَبِيعُهَا مِمَّنْ شَاءَ بِمَا كَانَ لَهُ بِالْحِجَازِ فَفَرِحُوا وَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِهِ أَمْرًا لَمْ يَكُنْ فِي حِسَابِهِمْ، فَافْتَرَقُوا وَقَدْ فَرَّجَهَا الله عنهم به وكان طلحه ابن عُبَيْدِ اللَّهِ قَدِ اسْتَجْمَعَ لَهُ عَامَّةٌ سَهْمَانِ خَيْبَرَ إِلَى مَا كَانَ لَهُ سِوَى ذَلِكَ، فَاشْتَرَى طَلْحَةُ مِنْهُ مِنْ نَصِيبِ مَنْ شَهِدَ الْقَادِسِيَّةَ وَالْمَدَائِنَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِمَّنْ أَقَامَ وَلَمْ يُهَاجِرْ إِلَى الْعِرَاقِ النَّشَاسْتَجَ بِمَا كَانَ لَهُ بِخَيْبَرَ وَغَيْرِهَا مِنْ تِلْكَ الأَمْوَالِ، وَاشْتَرَى منه بئر أَرِيسَ شَيْئًا كَانَ لِعُثْمَانَ بِالْعِرَاقِ، وَاشْتَرَى مِنْهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ بِمَالٍ كَانَ لَهُ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ عُثْمَانُ نَهْرَ مَرْوَانَ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَجْمَةٌ- وَاشْتَرَى مِنْهُ رِجَالٌ مِنَ الْقَبَائِلِ بِالْعِرَاقِ بِأَمْوَالٍ كَانَتْ لَهُمْ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَالْيَمَنِ وَحَضْرَمَوْتَ، فَكَانَ مِمَّا اشْتَرَى مِنْهُ الأَشْعَثُ بِمَالٍ كَانَ لَهُ فِي حَضْرَمَوْتَ مَا كَانَ لَهُ بِطِيزَنَابَاذَ وَكَتَبَ عُثْمَانُ إِلَى أَهْلِ الآفَاقِ فِي ذَلِكَ وَبِعِدَّةِ جِرْبَانِ الْفَيْءِ، وَالْفَيْءُ الَّذِي يَتَدَاعَاهُ أَهْلُ الأَمْصَارِ، فَهُوَ مَا كَانَ لِلْمُلُوكِ نَحْوَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ بِلادِهِمْ فَأَجْلَى عَنْهُ، فَأَتَاهُمْ شَيْءٌ عَرَفُوهُ وَأَخَذَ بِقَدْرِ عِدَّةِ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَبِقَدْرِ نَصِيبِهِمْ، وَضَمَّ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ، فَبَاعُوهُ بِمَا يَلِيهِمْ مِنَ الأَمْوَالِ بِالْحِجَازِ وَمَكَّةَ وَالْيَمَنِ وَحَضْرَمَوْتَ، يُرَدُّ عَلَى أَهْلِهَا الَّذِينَ شَهِدُوا الْفُتُوحَ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.
وَكَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَة مثل ذَلِكَ، إلا أنهما قَالا: اشترى هَذَا الضرب رجال من كل قبيلة ممن كَانَ لَهُ هنالك شَيْء، فأراد أن يستبدل بِهِ فِيمَا يليه، فأخذوا، وجاز لَهُمْ عن تراض مِنْهُمْ ومن الناس وإقرار بالحقوق، إلا أن الَّذِينَ لا سابقة لَهُمْ وَلا قدمة لا يبلغون مبلغ أهل السابقة والقدمة فِي المجالس والرياسة والحظوة، ثُمَّ كَانُوا يعيبون التفضيل، ويجعلونه جفوة، وهم فِي ذَلِكَ يختفون بِهِ وَلا يكادون يظهرونه، لأنه لا حجة لَهُمْ والناس عَلَيْهِم، فكان إذا لحق بهم لاحق من ناشئ أو أعرابي أو محرر استحلى كلامهم، فكانوا فِي زيادة، وَكَانَ الناس فِي نقصان حَتَّى غلب الشر.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ، قَالا: صرفف حُذَيْفَة عن غزو الري إِلَى غزو الباب مددا لعبد الرَّحْمَن بن رَبِيعَة، وخرج مَعَهُ سَعِيد بن الْعَاصِ، فبلغ مَعَهُ أذربيجان- وكذلك كَانُوا يصنعون، يجعلون لِلنَّاسِ ردءا- فأقام حَتَّى قفل حُذَيْفَة ثُمَّ رجعا.
وفي هَذِهِ السنة- أعني سنة ثلاثين- سقط خاتم رسول الله صلى اللهه عليه وسلم من يد عُثْمَان فِي بئر أَرِيس وَهِيَ عَلَى ميلين مِنَ الْمَدِينَةِ، وكانت من أقل الآبار ماء، فما أدرك حَتَّى الساعة قعرها.
ذكر الخبر عن سبب سقوط الخاتم من يد عُثْمَان فِي بئر أَرِيس
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلَفٍ عَبْدُ للَّهِ بْنُ عِيسَى الْخَزَّازُ قَالَ: وَكَانَ شريك يُونُس بْن عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ ابن أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الأَعَاجِمِ كُتُبًا يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُمْ لا يَقْبَلُونَ كِتَابًا الا مختوما، فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعْمَلَ لَهُ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَجَعَلَهُ فِي إِصْبَعِهِ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ لَهُ: انْبِذْهُ من إصبعك، فنبذه رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ أُصْبُعِهِ، وَأَمَرَ بِخَاتَمٍ آخَرَ يُعْمَلُ لَهُ، فَعُمِلَ لَهُ خَاتَمٌ مِنْ نُحَاسٍ، فَجَعَلَهُ فِي اصبعه، فقال له جبريل عليه السلام: انبذه من إصبعك، فنبذه رسول الله صلى الله عليه وسلم من اصبعه، وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بِخَاتَمٍ مِنْ وَرِقٍ، فَصُنِعَ لَهُ خَاتَمٌ مِنْ وَرِقٍ فَجَعَلَهُ فِي أُصْبُعِهِ، فَأَقَرَّهُ جِبْرِيلُ، وَأَمَرَ ان ينقش عليه: محمد رسول الله، فَجَعَلَ يَتَخَتَّمُ بِهِ، وَيَكْتُبُ إِلَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَيْهِ مِنَ الأَعَاجِمِ، وَكَانَ نَقْشُ الْخَاتَمِ ثَلاثَةَ أَسْطُرٍ فَكَتَبَ كِتَابًا إِلَى كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، فَبَعَثَهُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَتَى بِهِ عُمَرُ كِسْرَى فَقُرِئَ الْكِتَابُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى كِتَابِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ! أَنْتَ عَلَى سَرِيرٍ مَرْمُولٍ بِاللِّيفِ، وَكِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَعَلَيْهِ الدِّيبَاجُ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الآخِرَةُ!» فَقَالَ: جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ! قَدْ رَضِيتُ.
وَكَتَبَ كِتَابًا آخَرَ، فَبَعَثَ بِهِ مَعَ دَحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيِّ إِلَى هِرَقْلَ مَلِكِ الرُّومِِ يَدْعُوهُ إِلَى الإِسْلامِ، فَقَرَأَهُ وَضَمَّهُ إِلَيْهِ، وَوَضَعَهُ عِنْدَهُ، فَكَانَ الْخَاتَمُ فِي أُصْبُعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَخَتَّمُ بِهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ فَتَخَتَّمَ بِهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ وُلِّيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَعْدُ فَجَعَلَ يَتَخَتَّمُ بِهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، ثُمَّ وُلِّيَ مِنْ بَعْدِهِ عُثْمَانُ ابن عَفَّانَ، فَتَخَتَّمَ بِهِ سِتَّ سِنِينَ، فَحَفَرَ بِئْرًا بِالْمَدِينَةِ شُرْبًا لِلْمُسْلِمِينَ، فَقَعَدَ عَلَى رَأْسِ الْبِئْرِ، فَجَعَلَ يَعْبَثُ بِالْخَاتَمِ، وَيُدِيرُهُ بِأُصْبُعِهِ، فَانْسَلَّ الْخَاتَمُ مِنْ أُصْبُعِهِ فَوَقَعَ فِي الْبِئْرِ، فَطَلَبُوهُ فِي الْبِئْرِ، وَنَزَحُوا مَا فِيهَا مِنَ الْمَاءِ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، فَجَعَلَ فِيهِ مَالا عَظِيمًا لِمَنْ جَاءَ بِهِ، وَاغْتَمَّ لِذَلِكَ غَمًّا شَدِيدًا، فَلَمَّا يَئِسَ مِنَ الْخَاتَمِ أَمَرَ فَصُنِعَ لَهُ خَاتَمٌ آخر مثله، خلقه مِنْ فِضَّةٍ، عَلَى مِثَالِهِ وَشِبْهِهِ، وَنُقِشَ عَلَيْهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَجَعَلَهُ فِي أُصْبُعِهِ حَتَّى هَلَكَ، فَلَمَّا قُتِلَ ذَهَبَ الْخَاتَمُ مِنْ يَدِهِ فَلَمْ يُدْرَ مَنْ أَخَذَهُ.
أخبار أبي ذر رحمه اللَّه تعالى
وفي هَذِهِ السنة- أعني سنة ثَلاثِينَ- كَانَ مَا ذكر من أمر أبي ذر ومعاوية، وإشخاص مُعَاوِيَة إِيَّاهُ من الشام إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَدْ ذكر فِي سبب إشخاصه إِيَّاهُ منها إِلَيْهَا أمور كثيرة، كرهت ذكر أكثرها.
فأما العاذرون مُعَاوِيَة فِي ذَلِكَ، فإنهم ذكروا فِي ذَلِكَ قصة كَتَبَ إِلَيَّ بِهَاا السَّرِيُّ، يَذْكُرُ أَنَّ شُعَيْبًا حَدَّثَهُ عَنْ سَيْف، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ يَزِيدَ الْفَقْعَسِيِّ، قَالَ: لَمَّا وَرَدَ ابْنُ السَّوْدَاءِ الشَّامَ لَقِيَ أَبَا ذَرٍّ، فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، أَلا تَعْجَبُ إِلَى مُعَاوِيَةَ، يَقُولُ: الْمَالُ مَالُ اللَّهِ! أَلا إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ لِلَّهِ كأنه يريد ان يحتجنه دُونَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَمْحُوَ اسْمَ الْمُسْلِمِينَ فَأَتَاهُ أَبُو ذَرٍّ، فَقَالَ: مَا يَدْعُوكَ إِلَى أَنْ تُسَمِّيَ مَالَ الْمُسْلِمِينَ مَالَ اللَّهِ! قَالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا أَبَا ذَرٍّ، أَلَسْنَا عِبَادَ اللَّهِ، وَالْمَالُ مَالُهُ، وَالْخَلْقُ خَلْقُهُ، وَالأَمْرُ أَمْرُهُ! قَالَ: فَلا تَقُلْهُ، قَالَ: فَإِنِّي لا أَقُولُ: إِنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ، وَلَكِنْ سَأَقُولُ: مَالُ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ: وَأَتَى ابْنُ السَّوْدَاءِ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ أَظُنُّكَ وَاللَّهِ يَهُودِيًّا!! فَأَتَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَتَعَلَقَّ بِهِ، فَأَتَى بِهِ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي بَعَثَ عَلَيْكَ أَبَا ذَرٍّ، وَقَامَ أَبُو ذَرٍّ بِالشَّامِ وَجَعَلَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الأَغْنِيَاءِ، وَاسُوا الْفُقَرَاءَ بَشِّرِ {وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ} [التوبة: 34] بمكاو من نار {تُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} [التوبة:35] فَمَا زَالَ حَتَّى وَلِعَ الْفُقَرَاءُ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَأَوْجَبُوهُ عَلَى الأَغْنِيَاءِ،، وَحَتَّى شَكَا الأَغْنِيَاءُ مَا يَلْقَوْنَ مِنَ النَّاسِ.
فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عُثْمَانَ: أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَدْ أَعْضَلَ بِي، وَقَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ كَيْتَ وَكَيْتَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ: أَنَّ الْفِتْنَةَ قَدْ أَخْرَجَتْ خطمها وعينيها، فَلَمْ يَبْقَ إِلا أَنْ تَثِبَ، فَلا تَنْكَأ الْقَرْحَ، وَجَهِّزْ أَبَا ذَرٍّ إِلَيَّ، وَابْعَثْ مَعَهُ دَلِيلا وَزَوِّدْهُ، وَارْفُقْ بِهِ، وَكَفْكَفِ النَّاسَ وَنَفْسَكَ ما استطعت، فإنما تُمْسَكُ مَا اسْتَمْسَكْتَ فَبَعَثَ بِأَبِي ذَرٍّ وَمَعَهُ دَلِيلٌ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَرَأَى الْمَجَالِسَ فِي أَصْلِ سَلْعٍ، قَالَ: بَشِّرْ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِغَارَةٍ شَعْوَاءَ وَحَرْبٍ مِذْكَارٍ.
وَدَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، مَا لأَهْلِ الشَّامِ يَشْكُونَ ذَرَبَكَ! فَأَخْبَرَهُُ أَنَّهُ لا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: مَالُ اللَّهِ، وَلا يَنْبَغِي لِلأَغْنِيَاءِ أَنْ يَقْتَنُوا مَالا.
فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، عَلَيَّ أَنْ أَقْضِيَ مَا عَلَيَّ، وَآخُذَ مَا عَلَى الرَّعِيَّةِ، وَلا أُجْبِرُهُمْْ عَلَى الزُّهْدِ، وَأَنْ أَدْعُوهُمْ إِلَى الاجْتِهَادِ وَالاقْتِصَادِ.
قَالَ: فَتَأْذَنْ لِي فِي الْخُرُوجِ، فان المدينة ليست لي بدار؟ فقال:
او تستبدل بِهَا إِلا شَرًّا مِنْهَا! قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلمم أَنْ أَخْرُجَ مِنْهَا إِذَا بَلَغَ الْبِنَاءُ سَلْعًا، قَالَ: فَانْفِذْ لِمَا أَمَرَكَ بِهِ قَالَ: فَخَرَجَ حَتَّى نَزَلَ الرَّبَذَةَ، فَخَطَّ بِهَا مَسْجِدًا، وَأَقْطَعَهُ عُثْمَانُ صِرْمَةً مِنَ الإِبِلِ وَأَعْطَاهُ مَمْلُوكَيْنِ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ: أَنْ تَعَاهَدَ الْمَدِينَةَ حَتَّى لا تَرْتَدَّ أَعْرَابِيًّا، فَفَعَلَ.
وَكَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عن سيف، عن محمد بن عون، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَخْتَلِفُ مِنَ الرَّبَذَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ مَخَافَةَ الأَعْرَابِيَّةِ، وَكَانَ يُحِبُّ الْوَحْدَةَ وَالْخَلْوَةَ فَدَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ، وَعِنْدَهُ كَعْبُ الأَحْبَارِ، فَقَالَ لِعُثْمَانَ: لا تَرْضَوْا مِنَ النَّاسِ بِكَفِّ الأَذَى حَتَّى يَبْذِلُوا الْمَعْرُوفَ، وَقَدْ يَنْبَغِي لِلْمُؤَدِّي الزَّكَاةَ أَلا يَقْتَصِرَ عَلَيْهَا حَتَّى يُحْسِنَ إِلَى الْجِيرَانِ وَالإِخْوَانِ، وَيَصِلَ الْقَرَابَاتِ فَقَالَ كَعْبٌ: مَنْ أَدَّى الْفَرِيضَةَ فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ فَرَفَعَ أَبُو ذَرٍّ مِحْجَنَهُ فَضَرَبَهُ فَشَجَّهُ، فَاسْتَوْهَبَهُ عُثْمَانُ، فَوَهَبَهُ لَهُ، وَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، اتَّقِ اللَّهَ وَاكْفُفْ يَدَكَ وَلِسَانَكَ، وَقَدْ كَانَ قَالَ لَهُ: يَا بن اليهودية، ما أنت وما هاهنا! وَاللَّهِ لَتَسْمَعَنَّ مِنِّي أَوْ لأَدْخُلَ عَلَيْكَ.
وَكَتَبَ إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن الأَشْعَثِ بْنِ سَوَّارٍ، عَنْْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: خَرَجَ أَبُو ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ لَمَّا رَأَى عُثْمَانَ لا يَنْزِعُ لَهُ، وَأَخْرَجَ مُعَاوِيَةُ أَهْلَهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَخَرَجُوا إِلَيْهِ وَمَعَهُمْ جِرَابٌ يُثَقِّلُ يَدَ الرَّجُلِ، فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الَّذِي يَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا مَا عِنْدَهُ! فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: أَمَا وَاللَّهِ مَا فِيهِ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، ولكنها فلوس كان إذا خرج عطاؤه ابْتَاعَ مِنْهُ فُلُوسًا لِحَوَائِجِنَا.
وَلَمَّا نَزَلَ أَبُو ذَرٍّ الرَّبَذَةَ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، وَعَلَيْهَا رَجُلٌ يَلِي الصَّدَقَةَ، فَقَالَ:
تَقَدَّمْ يَا أَبَا ذَرٍّ، فَقَالَ: لا، تقدم أنت، فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لِي: «اسْمَعْ وَأَطِعْ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْكَ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ» فَأَنْتَ عَبْدٌ وَلَسْتَ بِأَجْدَعَ- وَكَانَ مِنْ رَقِيقِ الصَّدَقَةِ، وَكَانَ أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ مُجَاشِعٌ.
وَكَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عن مبشر بن الفضيل، عنن جابر، قَالَ: أجرى عُثْمَان عَلَى أبي ذر كل يوم عظما، وعلى رافع ابن خديج مثله، وكانا قَدْ تنحيا عن الْمَدِينَةِ لشيء سمعاه لم يفسر لهما، وأبصرا وَقَدْ اخطئا.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن سوقة، عنن عاصم بن كُلَيْبٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ: خَرَجْنَا مُعْتَمِرِينَ، فَأَتَيْنَا الرَّبَذَةَ، فَطَلَبْنَا أَبَا ذَرٍّ فِي مَنْزِلِهِ، فَلَمْ نَجِدْهُ، وَقَالُوا: ذَهَبَ إِلَى الْمَاءِ.
فَتَنَحَّيْنَا، وَنَزَلْنَا قَرِيبًا مِنْ مَنْزِلِهِ، فَمَرَّ وَمَعَهُ عَظْمُ جَزُورٍ يَحْمِلُهُ مَعَهُ غُلامٌ،، فَسَلَّمَ ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى مَنْزِلَهُ، فَلَمْ يَمْكُثْ إِلا قَلِيلا حَتَّى جَاءَ، فَجَلَسَ إِلَيْنَا وَقَالَ: إِنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لِي: «اسْمَعْ وَأَطِعْ وَإِنْ كَانَ عَلَيْكَ حَبَشِيٌّ مُجْدَعٌ» فَنَزَلْتُ هَذَا الْمَاءَ وَعَلَيْهِ رَقِيقٌ مِنْ رَقِيقِ مَالِِ اللَّهِ، وَعَلَيْهِمْ حَبَشِيٌّ- وَلَيْسَ بِأَجْدَعَ، وَهُوَ مَا عَلِمْتُ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ- وَلَهُمْْ فِي كُلِّ يَوْمٍ جَزُورٌ، وَلِي مِنْهَا عَظْمٌ آكُلُهُ أَنَا وَعِيَالِي قُلْتُ: مَا لَكَ مِنَ الْمَالِ؟
قَالَ: صِرْمَةٌ مِنَ الْغَنَمِ وَقَطِيعٌ مِنَ الإِبِلِ، فِي أَحَدِهِمَا غُلامِي وَفِي الآخَرِِ أَمَتِي، وَغُلامِي حُرٌّ إِلَى رَأْسِ السَّنَةِ قَالَ: قُلْتُ: إِنَّ أَصْحَابَكَ قَبْلَنَا أَكْثَرُ النَّاسِ مَالا، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ فِي مَالِ اللَّهِ حَقٌّ إِلا وَلِي مِثْلُهُ وَأَمَّا الآخَرُونَ، فَإِنَّهُمْ رَوَوْا فِي سَبَبِ ذَلِكَ أشياء كثيره، وأمورا شنيعة، كرهت ذكرها.
ذكر هرب يزدجرد الى خراسان
وفي هَذِهِ السنة، هرب يزدجرد بن شهريار فِي قول بعضهم من فارس إِلَى خُرَاسَان ذكر من قَالَ ذَلِكَ وما قَالَ فِيهِ: ذكر عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ أن مسلمة أخبره عن دَاوُد، قَالَ: قدم ابن عَامِر الْبَصْرَةَ،، ثُمَّ خرج إِلَى فارس فافتتحها، وهرب يزدجرد من جوز- وَهِيَ أردشير خرة- فِي سنة ثَلاثِينَ فوجه ابن عَامِر فِي أثره مجاشع بن مسعود السلمي، فأتبعه إِلَى كَرْمَان، فنزل مجاشع السيرجان بالعسكر، وهرب يزدجرد إِلَى خُرَاسَان قَالَ: وعبد القيس تقول: وجه ابن عامر هرم ابن حيان العبدي، وبكر بن وائل تقول: وجه ابن حسان اليشكري قَالَ: وأصحه عندنا مجاشع.
قَالَ علي: وأخبرنا سلمة بن عُثْمَانَ- وَكَانَ فاضلا- عن شيخ من أهل كَرْمَانن والفضل الكرماني، عن أَبِيهِ، قَالَ: اتبع مجاشع يزدجرد فخرج من السيرجان، فلما كَانَ عِنْدَ القصر فِي بيمند- وَهُوَ الَّذِي يقال لَهُ قصر مجاشع- أصابهم الثلج والدمق، فوقع الثلج، واشتد البرد، وصار الثلج قامة رمح، فهلك الجند، وسلم مجاشع ورجل كَانَتْ مَعَهُ جارية، فشق بطن بعير، فأدخلها فِيهِ وهرب، فلما كَانَ من الغد، جَاءَ فوجدها حية فحملها، فسمي ذَلِكَ القصر قصر مجاشع، لأن جيشه هلكوا فِيهِ، وَهُوَ عَلَى خمسة فراسخ أو ستة من السيرجان.
قَالَ علي: أَخْبَرَنَا أَبُو المقدام، عن بعض مشيخته، قَالَ: خرج مجاشع عَلَىى وفد أهل الْبَصْرَةِ من تستر- وفيهم الأحنف- وأخذ فِي غداة واحدة عَلَى لجام واحد خمسين ألفا، سبق عَلَى الصفراء ابنة الغراء ابنة الغبراء، فأخذها مِنْهُ عمر حين قاسم عماله الأموال.
قَالَ علي: فقلت للنضر بن إِسْحَاق: أن أبا المقدام ذكر هَذَا الحديث! فَقَالَ:: صدق، سمعته من عدة من الحي وغيرهم، وفرسه الصفراء ابنة الغراء ابنة الغبراء وَهُوَ مجاشع بن مسعود بن ثعلبة بن عائذ بن وهب بْن رَبِيعَةَ بْن يربوع بْن سمال بْن عوف بن امرئ القيس بن بهثه بن سلم.
ويكنى أبا سُلَيْمَان.
قَالَ: وفي هَذِهِ السنة زاد عُثْمَان النداء الثالث عَلَى الزوراء، وصلى بمنىى أربعا.
وحج بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السنة عثمان رضى الله عنه.