ففيها بويع لعثمان بن عفان بالخلافة، واختلف فِي الوقت الَّذِي بويع لَهُ فِيهِ، فَقَالَ بعضهم مَا حَدَّثَنِي بِهِ الْحَارِث، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن سعد، قال: …
أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني أبو بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد ابن أبي وقاص، عن عثمان بن محمد الأخنسي قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أبو بكر بْن عبد الله بْن أبي سبرة، عن يعقوب بن زيد عن أبيه، قالا: بويع عُثْمَان بن عَفَّانَ يوم الاثنين لليلة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، فاستقبل بخلافته المحرم سنة أربع وعشرين.
وَقَالَ آخرون: مَا حَدَّثَنِي بِهِ أَحْمَد بْن ثَابِت الرازي، عمن ذكره، عن إِسْحَاق بْن عِيسَى، عن أبي معشر، قَالَ: بويع لِعُثْمَانَ عام الرعاف سنه اربع وعشرين، قيل: إنما قيل لهذه السنة عام الرعاف، لأنه كثر الرعاف فِيهَا فِي الناس.
وَقَالَ آخرون- فيما كتب به إلي السري، عن شعيب، عَنْ سَيْفٍ، عن خليد بن ذفرة ومجالد، قالا: استخلف عثمان لثلاث مضين من المحرم سنة أربع وعشرين، فخرج فصلى بالناس العصر، وزاد: ووفد فاستن بِهِ.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عمر، عن الشعبي، قال: اجتمع أهل الشورى على عثمان لثلاث مضين من المحرم، وقد دخل وقت العصر، وقد أذن مؤذن صهيب، واجتمعوا بين الأذان والإقامة، فخرج فصلى بالناس، وزاد الناس مائة، ووفد أهل الأمصار، وَهُوَ أول من صنع ذَلِكَ.
وَقَالَ آخرون- فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابن جريج عن ابن مليكة، قَالَ: بويع لِعُثْمَانَ لعشر مضين من المحرم، بعد مقتل عمر بثلاث ليال.
خطبة عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وقتل عُبَيْد اللَّهِ بن عُمَرَ الهرمزان
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عن شعيب، عن سيف، عن بدر بن عُثْمَانَ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: لَمَّا بَايَعَ أَهْلُ الشُّورَى عُثْمَانَ، خَرَجَ وَهُوَ أَشَدُّهُمْ كَآبَةً، فَأَتَى منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَصَلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: إِنَّكُمْ فِي دَارِ قَلِعَةٍ، وَفِي بَقِيَّةِ أَعْمَارٍ، فَبَادِرُوا آجَالَكُمْ بِخَيْرِ مَا تَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، فَلَقَدْ أُتِيتُمْ، صُبِّحْتُمْ أَوْ مُسِّيتُمْ، أَلا وَإِنَّ الدُّنْيَا طُوِيَتْ عَلَى الْغَرُورِ، {فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَلاََ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ} [لقمان: 33] اعتبروا بمن مضى، ثم وجدوا وَلا تَغْفَلُوا، فَإِنَّهُ لا يُغْفَلُ عَنْكُمْ أَيْنَ أَبْنَاءُ الدُّنْيَا وَإِخْوَانُهَا الَّذِينَ أَثَارُوهَا وَعَمَّرُوهَا، وَمُتِّعُوا بِهَا طَوِيلا، أَلَمْ تَلْفِظْهُمْ! ارْمُوا بِالدُّنْيَا حَيْثُ رَمَى اللَّهُ بِهَا، وَاطْلُبُوا الآخِرَةَ، فَإِنَّ اللَّهَ قد ضرب لها مثلا، وللذي هُوَ خَيْرٌ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ} [الكهف: 45] – الى قوله- {أَمَلاً} [الكهف: 466] ، وَأَقْبَلَ النَّاسُ يُبَايِعُونَهُ.
وكتب إلي السري، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عن أبي منصور، قَالَ: سمعت القماذبان يحدث عن قتل أَبِيهِ، قَالَ: كَانَتِ العجم بِالْمَدِينَةِ يستروح بعضها إِلَى بعض، فمر فيروز بأبي، وَمَعَهُ خنجر لَهُ رأسان، فتناوله مِنْهُ، وَقَالَ: مَا تصنع بهذا فِي هذه البلاد؟ فقال: آنس بِهِ، فرآه رجل، فلما أصيب عمر، قَالَ: رأيت هَذَا مع الهرمزان، دفعه إِلَى فيروز.
فأقبل عُبَيْد اللَّهِ فقتله، فلما ولي عُثْمَان دعاني فأمكنني مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ:
يَا بني، هَذَا قاتل أبيك، وأنت أولى بِهِ منا، فاذهب فاقتله، فخرجت بِهِ وماا فِي الأرض أحد إلا معي، إلا أَنَّهُمْ يطلبون إلي فِيهِ فقلت لَهُمْ: ألي قتله؟
قَالُوا: نعم- وسبوا عُبَيْد اللَّهِ- فقلت: أفلكم أن تمنعوه؟ قَالُوا: لا،، وسبوه فتركته لله ولهم فاحتملوني، فو الله مَا بلغت المنزل إلا عَلَى رءوس الرجال وأكفهم.
ولاية سعد بن أَبِي وَقَّاص الْكُوفَة
وفي هذه السنة عزل عُثْمَان الْمُغِيرَة بن شُعْبَةَ عن الْكُوفَة، وولاها سعد بن أَبِي وَقَّاص- فِيمَا كَتَبَ بِهِ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنِ الْمُجَالِدِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ قَالَ: أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي أَنْ يَسْتَعْمِلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، فانى لم أعز له عَنْ سُوءٍ، وَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَلْحَقَهُ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ أَوَّلَ عَامِلٍ بَعَثَ بِهِ عُثْمَانُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَلَى الْكُوفَةِ، وَعَزَلَ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، وَالْمُغِيرَةُ يَوْمَئِذٍ بِالْمَدِينَةِ، فَعَمِلَ عَلَيْهَا سَعْدٌ سَنَةً وَبَعْضَ أُخْرَى، وَأَقَرَّ أَبَا مُوسَى سَنَوَاتٍ.
وَأَمَّا الْوَاقِدِيُّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ أَوْصَى أَنْ يُقَرَّ عُمَّالُهُ سَنَةً، فَلَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ أَقَرَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ عَلَى الْكُوفَةِ سَنَةً، ثُمَّ عَزَلَهُ، وَاسْتَعْمَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ ثُمَّ عَزَلَهُ، وَاسْتَعْمَلَ الوليد ابن عُقْبَةَ فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مَا رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ مِنْ ذَلِكَ، فَوِلايَةُ سَعْدٍ الْكُوفَةَ مِنْ قِبَلِ عُثْمَانَ كَانَتْ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ.
كُتُبُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى عُمَّالِهِ وَوُلاتِهِ وَالْعَامَّةِ
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ بِإِسْنَادِهِمَا، قَالا: لَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ إِلَى كَابُلَ- وَهِيَ عِمَالَةُ سِجِسْتَانَ- فَبَلَغَ كَابُلَ حَتَّى اسْتَفْرَغَهَا، فَكَانَتْ عِمَالَةُ سِجِسْتَانَ أَعْظَمَ مِنْ خُرَاسَانَ، حَتَّى مَاتَ مُعَاوِيَةُ، وَامْتَنَعَ أَهْلُ كَابُلَ.
قَالُوا: وَكَانَ أَوَّلُ كِتَابٍ كَتَبَهُ عُثْمَانُ إِلَى عُمَّالِهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الأَئِمَّةَ أَنْ يَكُونُوا رُعَاةً، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ إِلَيْهِمْ أَنْ يَكُونُوا جُبَاةً، وَإِنَّ صَدْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ خُلِقُوا رُعَاةً، لَمْ يُخْلَقُوا جُبَاةً، وَلَيُوشِكَنَّ أَئِمَّتُكُمْ أَنْ يَصِيرُوا جُبَاةً وَلا يَكُونُوا رُعَاةً، فَإِذَا عَادُوا كَذَلِكَ انْقَطَعَ الْحَيَاءُ وَالأَمَانَةُ وَالْوَفَاءُ أَلا وَإِنَّ أَعْدَلَ السِّيرَةِ أَنْ تَنْظُرُوا فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا عَلَيْهِمْ فَتُعْطُوهُمْ مَا لَهُمْ، وَتَأْخُذُوهُمْ بِمَا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ تُثْنُوا بِالذِّمَّةِ، فَتُعْطُوهُمُ الَّذِي لَهُمْ، وَتَأْخُذُوهُمْ بِالَّذِي عَلَيْهِمْ.
ثُمَّ الْعَدُوَّ الَّذِي تَنْتَابُونَ، فَاسْتَفْتِحُوا عَلَيْهِمْ بِالْوَفَاءِ.
قَالُوا: وَكَانَ أَوَّلَ كِتَابٍ كَتَبَهُ إِلَى أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ فِي الْفُرُوجِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّكُمْْ حُمَاةُ الْمُسْلِمِينَ وَذَادَتُهُمْ، وَقَدْ وَضَعَ لَكُمْ عُمَرُ مَا لَمْ يَغِبْ عنا، بل كان عن ملامنا، وَلا يَبْلُغُنِي عَنْ أَحَدٍ مِنْكُمْ تَغْيِيرٌ وَلا تَبْدِيلٌ فَيُغَيِّرَ اللَّهُ مَا بِكُمْ ويَسْتَبْدِلَ بِكُمْ غَيْرَكُمْ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَكُونُونَ، فَإِنِّي أَنْظُرُ فِيمَا أَلْزَمَنِي اللَّهُ النَّظَرَ فِيهِ، وَالْقِيَامَ عَلَيْهِ.
قَالُوا: وَكَانَ أَوَّلَ كِتَابٍ كَتَبَهُ إِلَى عُمَّالِ الْخَرَاجِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقََ بِالْحَقِّ، فَلا يَقْبَلُ إِلا الْحَقَّ، خُذُوا الْحَقَّ وَأَعْطُوا الْحَقَّ بِهِ وَالأَمَانَةَ الأَمَانَةَ، قُومُوا عَلَيْهَا، وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ مَنْ يَسْلُبُهَا، فَتَكُونُوا شُرَكَاءَ مَنْ بَعْدَكُمْ إِلَى مَا اكْتَسَبْتُمْ وَالْوَفَاءَ الْوَفَاءَ، لا تَظْلِمُوا الْيَتِيمَ وَلا الْمُعَاهَدَ، فَإِنَّ اللَّهَ خَصْمٌ لِمَنْ ظَلَمَهُمْ.
قَالُوا: وَكَانَ كِتَابُهُ إِلَى الْعَامَّةِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا بَلَغْتُمْ مَا بَلَغْتُمْ بِالاقْتَدَاءِِ وَالاتِّبَاعِ، فَلا تَلْفِتَنَّكُمُ الدُّنْيَا عَنْ أَمْرِكُمْ، فَإِنَّ أَمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ صَائِرٌ إِلَى الابْتِدَاعِ بَعْدَ اجْتِمَاعِ ثَلاثٍ فِيكُمْ: تَكَامُلُ النِّعَمِ، وَبُلُوغُ أَوْلادِكُمْ مِنَ السَّبَايَا، وَقِرَاءَةُ الأَعْرَابِ وَالأَعَاجِمِ الْقُرْآنَ، فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْكُفْرُ فِي الْعُجْمَةِ»، فَإِذَا اسْتُعْجِمَ عَلَيْهِمْ أَمْرٌ تَكَلَّفُوا وَابْتَدَعُوا.
وَكَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَوَّلُ خَلِيفَةٍ زَادَ النَّاسَ فِي أُعْطِيَاتِهِمْ مِائَةً عُثْمَانُ، فَجَرَتْ.
وَكَانَ عُمَرُ يَجْعَلُ لِكُلِّ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ فِي رَمَضَانَ دِرْهَمًا فِيي كُلِّ يَوْمٍ، وفرض لازواج رسول الله صلى الله عليه وسلم دِرْهَمَيْنِ دِرْهَمَيْنِ، فَقِيلَ لَهُ: لَوْ صَنَعْتَ لَهُمْ طَعَامًا فَجَمَعْتَهُمْ عَلَيْهِ! فَقَالَ: أُشْبِعُ النَّاسَ فِي بيوتهم فاقر عُثْمَانُ الَّذِي كَانَ صَنَعَ عُمَرُ، وَزَادَ فَوَضَعَ طَعَامَ رَمَضَانَ، فَقَالَ: لِلْمُتَعَبِّدِ الَّذِي يَتَخَلَّفُ فِي الْمَسْجِدِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالْمُعْتَرِّينَ بِالنَّاسِ فِي رَمَضَانَ.
غزوه اذربيجان وأرمينية
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ- أَعْنِي سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ- غَزَا الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ أَذْرَبِيجَانَ وَأَرْمِينِيَةَ، لِمَنْعِ أَهْلِهَا مَا كَانُوا صَالَحُوا عَلَيْهِ أَهْلَ الإِسْلامِ أَيَّامَ عُمَرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي مِخْنَفٍ، وَأَمَّا فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ.
ذكر الخبر عن ذَلِكَ وما كَانَ من أمر الْمُسْلِمِينَ وأمرهم فِي هَذِهِ الغزوة:
ذكر هِشَام بن محمد، أن أبا مخنف حدثه عن فروة بن لقيط الأَزْدِيّ، ثُمََّ الغامدي، أن مغازي أهل الْكُوفَة كَانَتِ الري وأذربيجان، وَكَانَ بالثغرين عشرة آلاف مقاتل من أهل الْكُوفَة، ستة آلاف بأذربيجان وأربعة آلاف بالري، وَكَانَ بالكوفة إذ ذاك أربعون ألف مقاتل، وَكَانَ يغزو هَذَيْنِ الثغرين مِنْهُمْ عشرة آلاف فِي كل سنة، فكان الرجل يصيبه فِي كل أربع سنين غزوة، فغزا الْوَلِيد بن عُقْبَةَ فِي إمارته عَلَى الْكُوفَة فِي سلطان عُثْمَان أذربيجان وأرمينية، فدعا سلمان بن رَبِيعَة الباهلي فبعثه أمامه مقدمة لَهُ، وخرج الْوَلِيد فِي جماعة الناس، وَهُوَ يريد أن يمعن فِي أرض أرمينية، فمضى فِي الناس حَتَّى دخل أذربيجان، فبعث عَبْد اللَّهِ بن شبيل بن عوف الأحمسي فِي أربعة آلاف، فأغار عَلَى أهل موقان والببر والطيلسان، فأصاب من أموالهم وغنم، وتحرز القوم مِنْهُ، وسبى مِنْهُمْ سبيا يسيرا، فأقبل إِلَى الْوَلِيدِ بن عُقْبَةَ ثُمَّ إن الْوَلِيد صالح أهل أذربيجان عَلَى ثمانمائه ألف درهم، وَذَلِكَ هُوَ الصلح الَّذِي كَانُوا صالحوا عَلَيْهِ حُذَيْفَة بن الْيَمَانِ سنة اثنتين وعشرين بعد وقعة نهاوند بسنة ثُمَّ إِنَّهُمْ حبسوها عِنْدَ وفاة عمر، فلما ولي عُثْمَان وولى الوليد ابن عُقْبَةَ الْكُوفَة، سار حَتَّى وطئهم بالجيش، فلما رأوا ذَلِكَ انقادوا لَهُ، وطلبوا إِلَيْهِ أن يتم لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الصلح، ففعل، فقبض مِنْهُمُ المال، وبث فيمن حولهم من أعداء الْمُسْلِمِينَ الغارات، فلما رجع إِلَيْهِ عَبْد اللَّهِ بن شبيل الأحمسي من غارته تِلَكَ- وَقَدْ سلم بن رَبِيعَة الباهلي إِلَى أرمينية فِي اثني عشر ألفا، سنة أربع وعشرين فسار فِي أرض أرمينية فقتل وسبى وغنم ثُمَّ إنه انصرف وَقَدْ ملأ يديه حتى اتى الْوَلِيد فانصرف الْوَلِيد وَقَدْ ظفر وأصاب حاجته.
إجلاب الروم عَلَى الْمُسْلِمِينَ واستمداد الْمُسْلِمِينَ من بالكوفة
وفي هَذِهِ السنة- فِي رواية أبي مخنف- جاشت الروم، حَتَّى استمد من بِالشَّامِ من جيوش الْمُسْلِمِينَ من عُثْمَان مددا.
ذكر الخبر عن ذَلِكَ:
قَالَ هِشَامٌ: حَدَّثَنِي أَبُو مِخْنَفٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي فَرْوَةُ بْنُ لُقَيْطٍ الأَزْدِيُّ، قَالَ: لَمَّاا أَصَابَ الْوَلِيدُ حَاجَتَهُ مِنْ أَرْمِينِيَةَ فِي الْغَزْوَةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا فِي سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ تَأْرِيخِهِ، وَدَخَلَ الْمَوْصِلَ فَنَزَلَ الْحَدِيثَةَ، أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إِلَيَّ يُخْبِرُنِي أَنَّ الرُّومَ قَدْ أَجْلَبَتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِجُمُوعٍ عَظِيمَةٍ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ يَمُدَّهُمْ إِخْوَانُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَابْعَثْ رَجُلا مِمَّنْ تَرْضَى نَجْدَتَهُ وَبَأْسَهُ وَشَجَاعَتَهُ وَإِسْلامَهُ فِي ثَمَانِيَةِ آلافٍ أَوْ تِسْعَةِ آلافٍ أَوْ عَشَرَةِ آلافٍ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي يَأْتِيكَ فِيهِ رَسُولِي، وَالسَّلامُ.
فَقَامَ الْوَلِيدُ فِي النَّاسِ، فحمد اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْلَى الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الْوَجْهِ بَلاءً حَسَنًا، رَدَّ عَلَيْهِمْ بِلادَهُمُ الَّتِي كَفَرَتْ، وَفَتَحَ بِلادًا لَمْ تَكُنِ افْتُتِحَتْ، وَرَدَّهُمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ مَأْجُورِينَ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَقَدْ كَتَبَ إِلَيَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَنْدِبَ مِنْكُمْ مَا بَيْنَ الْعَشَرَةِ الآلافِ إِلَى الثَّمَانِيَةِ الآلافِ، تَمُدُّونَ إِخْوَانَكُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَإِنَّهُمْ قَدْ جَاشَتْ عَلَيْهِمُ الرُّومُ، وَفِي ذَلِكَ الأَجْرُ الْعَظِيمُ، وَالْفَضْلُ الْمُبِينُ، فَانْتَدِبُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ مَعَ سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: فَانْتَدَبَ النَّاسُ، فَلَمْ يَمْضِ ثَالِثَةٌ حَتَّى خَرَجَ ثَمَانِيَةُ آلافِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَمَضَوْا حَتَّى دَخَلُوا مَعَ أَهْلِ الشَّامِ إِلَى أَرْضِ الرُّومِ، وَعَلَى جُنْدِ أَهْلِ الشَّامِ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ خَالِدٍ الْفِهْرِيُّ، وَعَلَى جُنْدِ أَهْلِ الْكُوفَةِ سَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ [الْبَاهِلِيُّ،] فَشَنُّوا الْغَارَاتِ عَلَى أَرْضِ الرُّومِ، فَأَصَابَ النَّاسُ مَا شَاءُوا مِنْ سَبْيٍ، وَمَلَئُوا أَيْدِيَهُمْ مِنَ الْمَغْنَمِ، وَافْتَتَحُوا بِهَا حُصُونًا كَثِيرَةً.
وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ الَّذِي أَمَدَّ حَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ بِسَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ كَانَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، وَقَالَ: كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ عُثْمَانَ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ يَأْمُرُهُ أَنْ يُغْزِيَ حَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ فِي أَهْلِ الشَّامِ أَرْمِينِيَةَ، فَوَجَّهَهُ إِلَيْهَا، فَبَلَغَ حَبِيبًا أَنَّ الْمُورِيَانَ الرُّومِيَّ قَدْ تَوَجَّهَ نَحْوَهُ فِي ثَمَانِينَ أَلْفًا مِنَ الرُّومِ وَالتُّرْكِ، فَكَتَبَ بِذَلِكَ حَبِيبٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ بِهِ الى عثمان، فكتب عثمان، الى سعيد ابن الْعَاصِ يَأْمُرُهُ بِإِمْدَادِ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ، فَأَمَدَّهُ بِسَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ فِي سِتَّةِ آلافٍ، وَكَانَ حَبِيبٌ صَاحِبَ كَيْدٍ، فَأَجْمَعَ عَلَى أَنْ يُبَيِّتَ الْمُورِيَانَ، فَسَمِعَتْهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتُ يَزِيدَ الْكَلْبِيَّةُ يَذْكُرُ ذَلِكَ، فَقَالَتْ لَهُ: فَأَيْنَ مَوْعِدُكَ؟ قَالَ: سُرَادِقُ الْمُورِيَانِ أَوِ الْجَنَّةُ، ثُمَّ بَيَّتَهُمْ، فَقَتَلَ مَنْ أَشْرَفَ لَهُ، وَأَتَى السُّرَادِقَ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ سَبَقَتْ، وَكَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةٍ من العرب ضُرِبَ عَلَيْهَا سُرَادِقٌ، وَمَاتَ عَنْهَا حَبِيبٌ، فَخَلَفَ عَلَيْهَا الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ الْفِهْرِيُّ، فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ.
وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ حَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَجَّ بِالنَّاسِ فِيي هَذِهِ السَّنَةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِأَمْرِ عُثْمَانَ، كَذَلِكَ قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ وَالْوَاقِدِيُّ.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ حَجَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ.
وَأَمَّا الاخْتِلافُ فِي الْفُتُوحِ الَّتِي نَسَبَهَا بَعْضُ النَّاسِ إِلَى أَنَّهَا كَانَتْ فِي عَهْدِِ عُمَرَ، وَبَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا كَانَتْ فِي إِمَارَةِ عُثْمَانَ، فَقَدْ ذَكَرْتُ قَبْلُ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا ذِكْرُ اخْتِلافِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي تَأْرِيخِ كل فتح كان من ذلك.