وفي هَذِهِ السنة- أعني سنة ست وثلاثين- بايع عَمْرو بن الْعَاصِ مُعَاوِيَة،ووافقه عَلَى محاربة علي، وَكَانَ السبب فِي ذَلِكَ مَا كَتَبَ بِهِ إِلَيَّ السَّرِيُّ، …
عَنْ شُعَيْبٍ، عن سيف، عن محمد وطلحة وأبي حارثة وَأَبِي عُثْمَانَ، قَالُوا:
لما أحيط بعثمان- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- خرج عَمْرو بن الْعَاصِ مِنَ الْمَدِينَةِ متوجها نحو الشام، وَقَالَ: وَاللَّهِ يَا أهل الْمَدِينَة، مَا يقيم بِهَا أحد فيدركه قتل هَذَا الرجل إلا ضربه اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بذل، من لم يستطع نصره فليهرب فسار وسار مَعَهُ ابناه عَبْد اللَّهِ ومحمد، وخرج بعده حسان بن ثَابِت، وتتابع عَلَى ذَلِكَ مَا شاء اللَّه.
قَالَ سَيْفٍ، عَنْ أَبِي حَارِثَةَ وَأَبِي عُثْمَانَ، قَالا: بينا عَمْرو بن الْعَاصِ جالس بعجلان وَمَعَهُ ابناه، إذ مر بهم راكب فَقَالُوا: من أين؟ قَالَ: مِنَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ عَمْرو: مَا اسمك؟ قَالَ: حصيرة قَالَ عَمْرو: حصر الرجل، قَالَ: فما الخبر؟ قَالَ: تركت الرجل محصورا، قَالَ عَمْرو: يقتل ثُمَّ مكثوا أياما، فمر بهم راكب، فَقَالُوا: من أين؟ قَالَ: مِنَ الْمَدِينَةِ، قَالَ عَمْرو: مَا اسمك؟ قَالَ: قتال، قَالَ عَمْرو: قتل الرجل، فما الخبر؟ قَالَ: قتل الرجل قَالَ: ثُمَّ لَمْ يَكُنْ إلا ذَلِكَ إِلَى أن خرجت، ثُمَّ مكثوا أياما، فمر بهم راكب، فَقَالُوا: من أين؟ قَالَ: مِنَ الْمَدِينَةِ، قال عمرو: ما اسمك؟ قال: حرب، قال عمرو: يكون حرب، فما الخبر؟ قَالَ: قتل عُثْمَان بن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وبويع لعلي بن أبي طالب، قَالَ عَمْرو:
أنا أَبُو عَبْد اللَّهِ، تكون حرب من حك فِيهَا قرحة نكأها، رحم اللَّه عُثْمَان ورضي اللَّه عنه، وغفر لَهُ! فَقَالَ سلامة بن زنباع الجذامي: يَا معشر قريش، إنه وَاللَّهِ قَدْ كَانَ بينكم وبين العرب باب، فاتخذوا بابا إذ كسر الباب.
فَقَالَ عَمْرو: وذاك الَّذِي نريد وَلا يصلح الباب إلا أشاف تخرج الحق من حافرة البأس، ويكون الناس فِي العدل سواء، ثُمَّ تمثل عَمْرو فِي بعض ذَلِكَ:
يَا لهف نفسي عَلَى مالك *** وهل يصرف اللهف حفظ القدر!
أنزع من الحر أودى بهم *** فأعذرهم أم بقومي سكر!
ثُمَّ ارتحل راجلا يبكي كما تبكي المرأة، ويقول: وا عثماناه! أنعى الحياء والدين! حَتَّى قدم دمشق، وَقَدْ كَانَ سقط إِلَيْهِ من الَّذِي يكون علم، فعمل عَلَيْهِ.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عن ابى عثمان، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم قَدْ بعث عمرا إِلَى عمان، فسمع هنالك من حبر شَيْئًا، فلما رَأَى مصداقه وَهُوَ هُنَاكَ أرسل إِلَى ذَلِكَ الحبر، فَقَالَ: حَدِّثْنِي بوفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبرني من يكون بعده؟ قَالَ: الَّذِي كتب إليك يكون بعده، ومدته قصيرة، قَالَ: ثُمَّ من؟ قَالَ: رجل من قومه مثله فِي المنزلة، قَالَ: فما مدته؟ قَالَ: طويلة، ثُمَّ يقتل قال: غيله أم عن ملا؟ قَالَ: غيلة، قَالَ: فمن يلي بعده؟ قَالَ: رجل من قومه مثله فِي المنزلة، قَالَ: فما مدته؟ قَالَ: طويلة، ثُمَّ يقتل، قَالَ: أغيلة أم عن ملإ؟ قَالَ: عن ملإ قَالَ: ذَلِكَ أشد، فمن يلي بعده؟ قَالَ: رجل من قومه ينتشر عليه الناس، وتكون عَلَى رأسه حرب شديدة بين الناس، ثُمَّ يقتل قبل أن يجتمعوا عَلَيْهِ، قَالَ: أغيلة أم عن ملا؟ قَالَ: غيلة، ثُمَّ لا يرون مثله قَالَ: فمن يلي بعده؟ قَالَ: أَمِير الأرض المقدسة، فيطول ملكه، فيجتمع أهل تِلَكَ الفرقة وَذَلِكَ الانتشار عَلَيْهِ، ثُمَّ يموت.
وأما الْوَاقِدِيّ، فإنه فِيمَا حَدَّثَنِي مُوسَى بن يَعْقُوب، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: لما بلغ عمرا قتل عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أنا عَبْد اللَّهِ، قتلته وأنا بوادي السباع، من يلي هَذَا الأمر من بعده! إن يله طَلْحَة فهو فتى العرب سيبا، وإن يله ابن أبي طالب فلا أراه إلا سيستنظف الحق، وَهُوَ أكره من يليه إلي قَالَ: فبلغه أن عَلِيًّا قَدْ بويع لَهُ، فاشتد عَلَيْهِ، وتربص أياما ينظر مَا يصنع الناس، فبلغه مسير طَلْحَة وَالزُّبَيْر وعائشة وَقَالَ: استأني وأنظر مَا يصنعون، فأتاه الخبر أن طَلْحَة وَالزُّبَيْر قَدْ قتلا، فأرتج عَلَيْهِ أمره، فَقَالَ لَهُ قائل: إن مُعَاوِيَة بِالشَّامِ لا يريد ان يبايع لعلى، فلو قاربت مُعَاوِيَة! فكان مُعَاوِيَة أحب إِلَيْهِ من عَلِيّ بن أَبِي طَالِبٍ وقيل لَهُ: إن مُعَاوِيَة يعظم شأن قتل عُثْمَان بن عَفَّانَ، ويحرض عَلَى الطلب بدمه، فَقَالَ عَمْرو:
ادعوا لي محمدا وعبد اللَّه، فدعيا لَهُ، فَقَالَ: قَدْ كَانَ مَا قَدْ بلغكما من قتل عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وبيعة الناس لعلي، وما يرصد مُعَاوِيَة من مخالفة علي، وَقَالَ: مَا تريان؟ أما علي فلا خير عنده، وَهُوَ رجل يدل بسابقته، وَهُوَ غير مشركي فِي شَيْءٍ من أمره فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بن عمرو: توفى النبي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عنك راض، وتوفي أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ عنك راض، وتوفي عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ عنك راض، أَرَى أن تكف يدك، وتجلس فِي بيتك، حَتَّى يجتمع الناس عَلَى إمام فتبايعه وَقَالَ مُحَمَّد بن عَمْرو: أنت ناب من أنياب العرب، فلا أَرَى أن يجتمع هَذَا الأمر وليس لك فِيهِ صوت وَلا ذكر قَالَ عَمْرو: أما أنت يَا عَبْد اللَّهِ فأمرتني بِالَّذِي هو خير لي في آخرتي، وأسلم فِي ديني، وأما أنت يَا مُحَمَّد فأمرتني بِالَّذِي أنبه لي فِي دنياي، وشر لي فِي آخرتي ثُمَّ خرج عَمْرو بن الْعَاصِ وَمَعَهُ ابناه حَتَّى قدم عَلَى مُعَاوِيَة، فوجد أهل الشام يحضون مُعَاوِيَة عَلَى الطلب بدم عُثْمَان، فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ: أنتم عَلَى الحق، اطلبوا بدم الخليفة المظلوم- ومعاويه لا يلتفت إِلَى قول عَمْرو- فَقَالَ ابنا عَمْرو لعمرو: أَلا ترى إِلَى مُعَاوِيَةَ لا يلتفت إِلَى قولك! انصرف إِلَى غيره فدخل عَمْرو عَلَى مُعَاوِيَة فَقَالَ: وَاللَّهِ لعجب لك! إني أرفدك بِمَا أرفدك وأنت معرض عني! أما وَاللَّهِ إن قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة إن فِي النفس من ذَلِكَ مَا فِيهَا، حَيْثُ نقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته، ولكنا إنما أردنا هَذِهِ الدُّنْيَا فصالحه مُعَاوِيَة وعطف عَلَيْهِ.