قَالَ سعد: …
فو الله إنِّي لَفِي أَيْدِيهمْ إذْ طَلَعَ عَلَيَّ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فِيهِمْ رَجُلٌ وَضِيءٌ أَبْيَضُ، شَعْشَاعٌ، حُلْوٌ مِنْ الرِّجَالِ.
قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: إنْ يَكُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْقَوْمِ خَيْرٌ، فَعِنْدَ هَذَا، قَالَ:
فَلَمَّا دَنَا مِنِّي رَفَعَ يَدَهُ فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً. قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَا وَاَللَّهِ مَا عِنْدَهُمْ بَعْدَ هَذَا مِنْ خير. قَالَ: فو الله إنِّي لَفِي أَيْدِيهِمْ يَسْحَبُونَنِي إذْ أَوَى لِي رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُمْ، فَقَالَ وَيْحَكَ! أَمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ قُرَيْشٍ جِوَارٌ وَلَا عَهْدٌ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، وَاَللَّهِ، لَقَدْ كُنْتُ أُجِيرُ لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ ابْن نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ تِجَارَةً، وَأَمْنَعُهُمْ مِمَّنْ أَرَادَ ظُلْمَهُمْ بِبِلَادِي، وَلِلْحَارِثِ ابْن حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، قَالَ: وَيْحَكَ! فَاهْتِفْ بِاسْمِ الرَّجُلَيْنِ، وَاذْكُرْ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمَا. قَالَ: فَفَعَلْتُ، وَخَرَجَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إلَيْهِمَا، فَوَجَدَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ لَهُمَا: إنَّ رَجُلًا مِنْ الْخَزْرَجِ الْآنَ يُضْرَبُ بِالْأَبْطَحِ وَيَهْتِفُ بِكُمَا، وَيَذْكُرُ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَكُمَا جِوَارًا، قَالَا: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَا: صَدَقَ وَاَللَّهِ، إنْ كَانَ لَيُجِيرُ لَنَا تِجَارَنَا، وَيَمْنَعُهُمْ أَنْ يُظْلَمُوا بِبَلَدِهِ. قَالَ: فَجَاءَا فَخَلَّصَا سَعْدًا مِنْ أَيْدِيهِمْ، فَانْطَلَقَ. وَكَانَ الَّذِي لَكَمَ سَعْدًا، سُهَيْلَ بن عَمْرو، أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ الرَّجُلُ الَّذِي أَوَى إلَيْهِ، أَبَا الْبَخْتَرِيِّ بْنَ هِشَامٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَوَّلُ شِعْرٍ قِيلَ فِي الْهِجْرَةِ بَيْتَيْنِ، قَالَهُمَا ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ، أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ (فَقَالَ) :
تَدَارَكْتَ سَعْدًا عَنْوَةً فَأَخَذْتَهُ وَكَانَ شِفَاءً لَوْ تَدَارَكْتَ مُنْذِرَا … وَلَوْ نِلْتُهُ طُلَّتْ هُنَاكَ جِرَاحُهُ
وَكَانَتْ حَرِيًّا أَنْ يُهَانَ وَيُهْدَرَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى:
وَكَانَ حَقِيقًا أَنْ يُهَانَ وَيُهْدَرَا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِيهِمَا فَقَالَ:
لَسْتَ إلَى سَعْدٍ وَلَا الْمَرْءِ مُنْذِرٍ … إذَا مَا مَطَايَا الْقَوْمِ أَصْبَحْنَ ضُمَّرَا
فَلَوْلَا أَبُو وَهْبٍ لَمَرَّتْ قَصَائِدٌ … عَلَى شَرَفِ الْبَرْقَاءِ يَهْوِينَ حُسَّرًا
أَتَفْخُرُ بِالْكَتَّانِ لَمَّا لَبِسْتَهُ … وَقَدْ تَلْبَسُ الْأَنْبَاطُ رَيْطًا مُقَصَّرَا
فَلَا تَكُ كَالْوَسْنَانِ يَحْلُمُ أَنَّهُ … بِقَرْيَةِ كِسْرَى أَوْ بِقَرْيَةِ قَيْصَرَا
وَلَا تَكُ كَالثَّكْلَى وَكَانَتْ بِمَعْزِلٍ … عَنْ الثُّكْلِ لَوْ كَانَ الْفُؤَادُ تَفَكَّرَا
وَلَا تَكُ كَالشَّاةِ الَّتِي كَانَ حتفها … بِحَفر ذِرَاعَيْهَا فَلَمْ تَرْضَ مَحْفَرَا
وَلَا تَكُ كَالْعَاوِي فَأَقْبَلَ نَحْرَهُ … وَلَمْ يَخْشَهُ، سَهْمًا مِنْ النَّبْلِ مُضْمَرَا
فَإِنَّا وَمَنْ يُهْدِي الْقَصَائِدَ نَحْوَنَا … كَمُسْتَبْضِعٍ تَمْرًا إلَى أَرْضِ خَيْبَرَا