سبب خروجه
قال ابن إسحاق: ولما هلك أبو طالب ونالت قريش من رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم ما لم تكن تنال منه في حياته، خرج إلى الطائف وحده – وقال ابن سعد: ومعه زيد بن حارثة – يلتمس النصرة من ثقيف والمنعة بهم من قومه، ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من اللهّٰ.
لقائه بكبراء ثقيف
فلما انتهى إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف وهم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم، وهم أخوة ثلاثة: عبد ياليل ، و مسعود ، وحبيب، بنو عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف، وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح، فجلس إليهم رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم وكلمهم ما جاءهم له من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالف من قومه.
ردهم عليه صلى اللهّٰ عليه وسلم
فقال له أحدهم وهو يمرط ثياب الكعبة: إن كان اللهّٰ أرسلك، وقال الآخر: أما وجد اللهّٰ أحدًا يرسله غيرك؟ وقال الثالث: واللهّٰ لا أكلمك أبدًا، لئن كنت رسولًا من اللهّٰ كما تقول لأنت أعظم خطراً من أن أراد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على اللهّٰ ما ينبغي أن أكلمك.
تعرضه لإيذائهم
فقام رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف، وقد قال لهم فيما ذكر لي: “إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا علي“.
وكره رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم أن يبلغ قومه عنه، فيذئرِهُم ذلك عليه، فلم يفعلوا، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه و يصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس.
رميه بالحجارة
قال موسى بن عقبة: قعدوا له صفين على طريقه، فلما مر رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم بين صفيهم جعل لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة حتى أدموا رجليه. زاد سليمان التيمي: أنه صلى اللهّٰ عليه وسلم كان إذا أذلقته الحجارة، قعد إلى الأرض فيأخذون بعضديه فيقيمونه، فإذا مشى رجموه وهم يضحكون.
تحمل زيد بن حارثة
وقال ابن سعد: وزيد بن حارثة يقيه بنفسه، حتى لقد شج في رأسه شجاجًا.
استناده إلى بستان
قال ابن عقبة: فخلص منهم ورجلاه تسيلان دمًا، فعمد إلى حائط من حوائطهم، فاستظل في ظل حَبلَة منه وهو مكروب موجع.
صاحبا البستان
وإذا في الحائط عتبة وشيبة ابنا ربيعة، فلما رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما للهّٰ ورسوله.
إفادته بقطف عنب
قال: فلما رآه ابنا ربيعة وما لقي تحركت له رحمهما، فدعوا غلامًا لهما نصرانًياّ يقال له: عداس، فقالا له: خذ قطفًا من هذا العنب فضعه في هذا الطبق، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه، ففعل عداس.
إقبال عداس بالقطف
ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم ثم قال له: كل، فلما وضع رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم يده قال: “بسم اللهّٰ“، ثم أكل.
استغراب عداس
فنظر عداس في وجهه، ثم قال: واللهّٰ إن هذا لكلام ما يقوله أهل هذه البلاد.
محادثة الرسول لعداس
فقال له رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم: “ومن أي البلاد أنت يا عداس، وما دينك؟” قال: نصراني، وأنا من أهل نينوى، فقال له رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم: “من أهل قرية الرجل الصالح يونس بن متى“، قال له عداس: وما يدر يك ما يونس بن متى؟! قال رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم: “ذاك أخي كان نبيًاّ، وأنا نبي“.
تقبيل عداس للنبي صلى اللهّٰ عليه وسلم
فأكب عداس على رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه.
محادثة عداس مع صاحبا البستان
فلما جاءهما عداس، قالا له: و يلك ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه، قال: يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا، لقد أعلمني بأمر لا يعلمه إلا نبي، قالا: ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك، فإن دينك خير من دينه.
رحمته صلى اللهّٰ عليه وسلم بهم
وروينا في الصحيح من حديث عائشة رضي اللهّٰ عنها، أنها قالت للنبي صلى اللهّٰ عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟ فقال: “لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياَليِل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت على وجهي وأنا مهموم، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل
فناداني”، فقال: إن اللهّٰ قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم علي، فقال: يا محمد ذلك لك فما شئت، وإن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي صلى اللهّٰ عليه وسلم: “بل أرجو أن يخرج اللهّٰ من أصلابهم من يعبد اللهّٰ لا يشرك به شيئاً“.
إجارة المطعم بن عدي
وذكر ابن هشام أن رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم لما انصرف عن أهل الطائف ولم يجيبوه لما دعاهم إليه من تصديقه ونصرته صار إلى حراء، ثم بعث إلى الأخنس بن شر يق ليجيره، فقال: أنا حليف، والحليف لا يجير، فبعث إلى سهيل بن عمرو فقال: إن بني عامر لا تجير على بني كعب، فبعث إلى المطعم بن عدي فأجابه إلى ذلك، ثم تسلح المطعم وأهل بيته وخرجوا حتى أتوا المسجد، ثم بعث إلى رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم أن ادخل، فدخل رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم فطاف بالبيت وصلى عنده، ثم انصرف إلى منزله. ولأجل هذه السابقة التي سلفت للمطعم بن عدي، قال رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم في أسارى بدر:
“لو كان المطعم بن عدي حيًاّ ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له“.