نبذة عن حياته صلى الله عليه وسلم
روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود عن أبي قتادة رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن يوم الاثنين فقال: «ذاك يوم ولدت فيه. أو قال أنزل علي فيه».
وروى يعقوب بن سفيان عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين واستنبئ يوم الاثنين، وتوفي يوم الاثنين، ورفع الحجر الأسود يوم الاثنين.
وفي بعض الطرق عند ابن عساكر: وأنزلت سورة المائدة يوم الاثنين: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] وكانت وقعة بدر يوم الاثنين.
قال ابن عساكر: المحفوظ أن وقعة بدر ونزول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] يوم الجمعة.
وروى الزبير بن بكار وابن عساكر عن معروف بن خرّبوذ رحمه الله تعالى قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين حين طلع الفجر.
وقال الحافظ أبو الفضل العراقي في المورد: الصواب أنه صلى الله عليه وسلم ولد في النهار، وهو الذي ذكره أهل السير. وحديث أبي قتادة مصرح به.
وروى الأربعة عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إبهار النهار، وجزم به ابن دحية، وصححه الزركشي رحمه الله تعالى في شرح البردة ولبعضهم في ذلك.
يا ساعةً فتح الهدى أرفادها … لطفاً وقد منح الجزا إسعادها
لاحت بشهر ربيع الزاكي الذي … فاق الشهور جلالةً إذ سادها
حيث النبوة أشرقت بمآثرٍ … كالشّهب لا يحصى الورى تعدادها
حيث الأمانة والرّسالة قد بدت … يعلي لمكّة غورها ونجادها
قال ابن دحية رحمه الله تعالى: وأما ما روي من تدلّي النجوم فضعيف، لاقتضائه أن الولادة كانت ليلا.
قال بعض أهل المعاني: كان مولده صلى الله عليه وسلم في فصل الربيع وهو أعدل الفصول ليله ونهاره معتدلان بين الحر والبرد، ونسيمه معتدل بين اليبوسة والرطوبة وشمسه معتدلة في العلوّ والهبوط، وقمره معتدل في أول درجة من الليالي البيض، وينعقد في سلك هذا النظام، ما هيّأ الله تعالى له صلى الله عليه وسلم من أسماء مربّيه ففي الوالدة والقابلة الأمن والشّفاء وفي اسم الحاضنة البركة والنماء، وفي مرضعيه صلى الله عليه وسلم الآتي ذكرهما الثواب والحلم والسّعد.
لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عقّ عنده جده بكبش وسماه محمداً. فقيل له: يا أبا الحارث ما حملك على أن تسميه محمداً ولم تسمه باسم آبائه؟ قال: أردت أن يحمده الله في السماء ويحمده الناس في الأرض.
وذكر السّهيلي وأبو الرّبيع- رحمهما الله تعالى- أن عبد المطلب إنما سماه محمداً لرؤيا رآها. زعموا أنه رأى مناماً كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهره ولها طرف في السماء وطرف في الأرض وطرف في المشرق وطرف في المغرب، ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور، وإذا أهل المشرق والمغرب يتعلّقون بها. فقصّها فعبّرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق والمغرب ويحمده أهل السماء والأرض، فلذلك سماه محمداً مع ما حدّثته به أمه صلى الله عليه وسلم.
وقال القاضي أبو الفضل عياض رحمه اللَّه تعالى: وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول فقد كان صلى اللَّه عليه وسلم من ذلك بالمحل الأفضل والموضع الذي لا يجهل، سلاسة طبع وبراعة منزع وإيجاز مقطع ونصاعة لفظ وجزالة قول وصحة معان وقلة تكلف، أوتي صلى اللَّه عليه وسلم جوامع الكلم وخص ببدائع الحكم وعلم ألسنة العرب، يخاطب كل أمة بلسانها ويحاورها بلغتها ويباريها في منزع بلاغتها، حتى كان كثير من أصحابه صلى اللَّه عليه وسلم يسألونه في غير موطن عن شرح كلامه وتفسير قوله، من تأمل حديثه وسيره على ذلك وتحققه.
ففصاحة لسانه صلى اللَّه عليه وسلم غاية لا يدرك مداها ومنزلة لا يداني منتهاها وكيف لا يكون ذلك وقد جعل اللَّه تعالى لسانه سيفا من سيوفه يبين عنه مراده ويدعو إليه عباده، فهو ينطق بحكمة عن أمره، ويبين عن مراده بحقيقة ذكره، أفصح خلق اللَّه إذا لفظ وأنصحهم إذا وعظ، لا يقول هجرا ولا ينطق هذرا، كلامه كله يثمر علما ويمتثل شرعا وحكما لا يتفوه بشر بكلام أحكم منه في مقالته ولا أجزل منه في عذوبته، وخليق بمن عبر عن مراد اللَّه بلسانه وأقام الحجة على عباده ببيانه، وبين مواضع فروضه وأوامره ونواهيه وزواجره، أن يكون أحكم الخلق تبيانا وأفصحهم لسانا وأوضحهم بيانا، وبالجملة فلا يحتاج العلم بفصاحته إلى شاهد ولا ينكرها موافق ولا معاند.
وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مع أمه آمنة بنت وهب وجده عبد المطلب في كلاءة اللَّه وحفظه ينبته اللَّه نباتا حسنا لما يريد به من كرامته، فلما بلغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ست سنين توفيت أمه آمنة بالأبواء بين مكة والمدينة.
لما توفيت آمنة أم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ضمه إليه جده عبد المطلب ورق عليه رقة لم يرقها على ولده.
قال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي في «الوفا» في سنة سبع من مولده صلى الله عليه وسلم أصابه رمد شديد فعولج بمكة فلم يغن فقيل لعبد المطلب: إن في ناحية عكاظ راهبا يعالج الأعين فركب إليه فناداه وديره مغلق فلم يجبه فتزلزل ديره حتى كاد أن يسقط عليه فخرج مبادرا فقال: يا عبد المطلب إن هذا الغلام نبي هذه الأمة ولو لم أخرج إليك لخر علي ديرى فارجع به واحفظه لا يقتله بعض أهل الكتاب. ثم عالجه وأعطاه ما يعالج به. وألقي له المحبة في قلوب قومه وكل من يراه.
قال ابن إسحاق وغيره: ولما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وحياطته والقيام عليه، وأوصى به إلى أبي طالب، لأن عبد الله وأبا طالب كانا لأم واحدة، فلما مات عبد المطلب كان أبو طالب هو الذي يلي أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد جده.
المرجع: سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد
المؤلف: محمد بن يوسف الصالحي الشامي (المتوفى: 942هـ)