قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: …
فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَسَلَكَ بِهِمْ طَرِيقًا وَعْرًا أَجْرَلَ بَيْنَ شِعَابٍ، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْهُ، وَقَدْ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَفْضَوْا إلَى أَرْضٍ سَهْلَةٍ عِنْدَ مُنْقَطِعِ الْوَادِي، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ: “قُولُوا نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَنَتُوبُ إلَيْهِ“. فَقَالُوا ذَلِكَ، فَقَالَ: “وَاَللَّهِ إنَّهَا لَلْحِطَّةُ الَّتِي عُرِضَتْ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ. فَلَمْ يَقُولُوهَا“. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ فَقَالَ: “اُسْلُكُوا ذَاتَ الْيَمِينِ بَيْنَ ظَهْرَيْ الْحَمْشِ، فِي طَرِيقٍ (تُخْرِجُهُ) عَلَى ثَنِيَّةِ الْمُرَارِ مَهْبِطِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ“، قَالَ: فَسَلَكَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الطَّرِيقَ، فَلَمَّا رَأَتْ خَيْلُ قُرَيْشٍ قَتَرَةَ الْجَيْشِ قَدْ خَالَفُوا عَنْ طَرِيقِهِمْ، رَجَعُوا رَاكِضِينَ إلَى قُرَيْشٍ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إذَا سَلَكَ، فِي ثَنِيَّةِ الْمُرَارِ بَرَكَتْ نَاقَتُهُ، فَقَالَتْ النَّاسُ: خَلَأَتْ النَّاقَةُ، قَالَ: “مَا خَلَأَتْ وَمَا هُوَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ عَنْ مَكَّةَ. لَا تَدْعُونِي قُرَيْشٌ الْيَوْمَ إلَى خُطَّةٍ يَسْأَلُونَنِي فِيهَا صِلَةَ الرَّحَمِ إلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إيَّاهَا“. ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: “انْزِلُوا“، قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا بِالْوَادِي مَاءٌ نَنْزِلُ عَلَيْهِ، فَأَخْرَجَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، فَأَعْطَاهُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، فَنَزَلَ بِهِ فِي قَلِيبٍ مِنْ تِلْكَ الْقُلُبِ. فَغَرَّزَهُ فِي جَوْفِهِ، فَجَاشَ بِالرَّوَّاءِ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ عَنْهُ بِعَطَنٍ.