نزول الأمين جبريل عليه السلام
أخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته، أنها قالت:
كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلَقِ الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه – وهو التعبد – الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله و يتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى فجئه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملَكَ ، فقال: اقرأ، فقال: «ما أنا بقارئ»، قال: «فأخذني، فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني»، فقال: اقرأ، قلت: «ما أنا بقارئ»، قال: «فأخذني، فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني» فقال: اقرأ، قلت: «ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني» فقال: {ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ (3) ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ (4) عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1-5] فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال: «زملوني زملوني»، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، ثم قال لخديجة: «أي خديجة ما لي، وأخبرها الخبر»، قال: «لقد خشيت على نفسي»، قالت له خديجة: كلا أبشر، فو الله لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمِل الكَلَّ ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق.
عرض النبي على ورقة بن نوفل
فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ، وهو ابن عم خديجة أخي أبيها، وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت له خديجة: أي عم: اسمع من ابن أخيك، قال ورقة بن نوفل: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا هو الناموس الذي أنزل على موسى، يا ليتني فيها جذَعاً ، يا ليتني أكون حياً حين يخرجك قومك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَوَمخرجي هم؟» قال ورقة: نعم، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عوُدِي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا.
عن عائشة رضي الله عنها: إن أول ما ابتدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة حين أراد الله به كرامته ورحمة العباد به الرؤيا الصادقة، لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح، وحبب الله إليه الخلوة، فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده.