الاجتماع للصلاة في بدء الأمر
وكان الناس إنما يجتمعون إلى الصلاة لتحين مواقيتها من غير دعوة، فهَمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل بوُقاً كبوق اليهود الذين يدعون به لصلاتهم ثم كرهه، ثم أمر بالناقوس فنحت ليضرب به للمسلمين في الصلاة، فبينما هم على ذلك رأى عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه أخو بلحارث بن الخزرج النداء. وعن أبي عمير بن أنس، عن عمومة له من الأنصار، قال: اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة، كيف يجمع الناس لها، فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة، فإذا رأوها آذن بعضهم بعضًا، فلم يعجبه ذلك، قال فذكر له القُنعْ، يعني: الشَّبُوّر.
اقترح الشبور والناقوس لجمع الناس
وقال زياد: شبور اليهود، فلم يعجبه ذلك، وقال: هو من أمر اليهود، قال: فذكر له الناقوس فقال: هو من أمر النصارى.
رؤيا الأذان
فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم لهمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأُري الأذان في منامه، قال: فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: يا رسول الله، إني لبين نائم و يقظان، إذ أتاني آتٍ فأراني الأذان، قال: وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يومًا، قال: ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: «ما منعك أن تخبرني»؟ فقال: سبقني عبد الله بن زيد، فاستحييت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بلال، قم فانظر ماذا يأمرك به
عبد الله بن زيد فافعله»، فأذن بلال.
بلال بن رباح مؤذناً
قال أبو بشر: فأخبرني أبو عمير: إن الأنصار تزعم أن عبد الله بن زيد لولا أنه كان يومئذ مريضًا لجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذناً.
عن عبد الله بن زيد، قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسًا في يده، فقلت: يا عبد الله، أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت: بلى، فقال: تقول: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.
قال: ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال: وتقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال: «إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألقِ عليه ما رأيت فليؤذن به، فإنه أندى صوتاً منك»، فقمت مع بلال، فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، قال: فسمع بذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته، فخرج يجر رداءه ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فللهّٰ الحمد» اللفظ لأبي داود.
وعن عطاء: سمعت عبيد بن عمير، يقول: ائتمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالناقوس للاجتماع للصلاة، فبينما عمر بن الخطاب يريد أن يشتري خشبتين للناقوس، إذ رأى عمر بن الخطاب في المنام لا تجعلوا الناقوس، بل أذنوا للصلاة، فذهب عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليخبره بالذي رأى، وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بذلك، فما راع عمر إلا بلال يؤذن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخبره بذلك: «قد سبقك بذلك الوحي».
أسماء المؤذنين للرسول صلى الله عليه وسلم
وكان يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم بلال، و ابن أم مكتوم ، و أبو محذورة ، و سعد القرظ (وهو ابن عائذ مولى عمار بن ياسر) وكان يلزم التجارة في القرظ ، فعرف بذلك وكان يؤذن لأهل قباء، وابن أم مكتوم عمرو بن قيس العامري.
وقيل: عبد الله، وأبو محذورة: سمرة بن معير وقيل أوس.
كيفية الأذان
عن أبي محذورة، قال:
علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، ثم يعود فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن
لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله». رواه النسائي في سننه كذلك. ورواه
مسلم عن أبي راهو يه فوقع لنا عالياً، وهذا من أعز الموافقات.
موقف اليهود من الأذان
قال ابن إسحاق: ونصبت عند ذلك أحبار يهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم العداوة بغياً وحسدًا وضغناً لما خص الله به العرب من أخذه رسوله منهم، وانضاف إليهم رجال من الأوس والخزرج ممن كان عَسىَ
على جاهلية، فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشرك والتكذيب بالمبعث، إلا أن الإسلام قهرهم بظهوره واجتماع قومهم عليه، فظهروا بالإسلام، واتخذوه جنة من القتل ونافقوا في السر، فكان هواهم مع يهود.
وكان أحبار يهود هم الذين يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعنتونه ليلبسوا الحق بالباطل، فكان القرآن ينزل فيهم فيما يسألون عنه إلا قليلاً من المسائل في الحلال والحرام، كان المسلمون يسألون عنها، فمن اليهود الموصوفين بذلك حيي بن أخطب، وأخواه: ياسر وجدي، وسلام بن مشكم، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وكعب بن الأشرف، وعبد الله بن صور يا الأعور من بني ثعلبة بن الفطيون، ولم يكن بالحجاز في زمانه أعلم بالتوراة منه، وابن صلوبا، ومخير يق وكان حبرهم.
وذكر ابن إسحاق منهم جماعة: منهم عبد الله بن سلام، وكان خيرهم وأعلمهم، وكان اسمه الحصين، فلما أسلم سمَاّه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عبدَ الله.