مرور النبي صلى اللّٰه عليه وسلم بنفر من جن نصيبين …
وفي انصراف رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم من الطائف راجعًا إلى مكة حين يئس من خير ثقيف ، مر به النفر من الجن وهو ب نخلة.
عدد الجن
وهم فيما ذكر ابن إسحاق سبعة من جن نصيبين. وكان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم قد قام من جوف الليل وهو يصلي، عن عبد اللّٰه بن مسعود، قال:
كنت مع النبي صلى اللّٰه عليه وسلم ليلة صرف اللّٰه النفر من الجن… الحديث.
خبر عبد اللّٰه بن مسعود رضي اللّٰه عنه
ورويناه من حديث أبي المعلى، عن عبد اللّٰه بن مسعود، قال: “خرج رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم قبل الهجرة إلى نواحي مكة، فخط لي خطًّا وقال:
لا تحدثن شيئاً حتى آتيك، ثم قال: لا يروعنك – أو: لا يهولنك شيء تراه- ثم جلس، فإذا رجال سود كأنهم رجال الزط قال: وكانوا كما قال اللّٰه: {كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجن: 19] فأردت أن أقوم فأذب عنه بالغًا ما بلغت، ثم ذكرت عهد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم فمكثت، ثم إنهم تفرقوا عنه، فسمعتهم يقولون: يا رسول اللّٰه، إن شقتنا بعيدة ونحن منطلقون فزودنا … “الحديث.
وفيه: فلما ولوا قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء جن نصيبين . وروينا من حديث أبي عبد اللّٰه الجدلي، عن عبد اللّٰه، وفيه: قال: “ثم شبك أصابعه في أصابعي، وقال: إني وعدت أن تؤمن بي الجن والإنس، فأما الإنس فقد آمنت بي، وأما الجن فقد رأيت“. وعن عبد اللّٰه بن مسعود، قال: لما كانت ليلة الجن أتت النبي صلى اللّٰه عليه وسلم سَمرُة فآذنته بهم فخرج إليهم. قال أبو داود: ثنا هارون بن معروف، ثنا سفيان، عن مسعر، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، أن مسروقاً قال له: أبوك أخبرنا أن شجرة أنذرت النبي صلى اللّٰه عليه وسلم بالجن.
دعوة النبي صلى اللّٰه عليه وسلم للجن
وحدثنا عبد اللّٰه بن مسعود، قال: “أتانا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم، قال: إني قد أمرت أن أقرأ على إخوانكم من الجن، فليقم معي رجل منكم، ولا يقم رجل في قلبه مثقال حبة خردل من كبر، فقمت معه وأخذت إداوة فيها نبيذ، فانطلقت معه، فلما برز خط لي خطًّا وقال لي: لا تخرج منه، فإنك إن خرجت لم ترني ولم أرك إلى يوم القيامة، قال: ثم انطلق، فتوارى عني حتى لم أره، فلما سطع الفجر أقبل، فقال لي: أراك قائماً، فقلت: ما قعدت، فقال: ما عليك لو فعلت، قلت: خشيت أن أخرج منه، فقال: أما إنك لو خرجت منه لم ترني ولم أرك إلى يوم القيامة، هل معك وضوء؟ قلت: لا، فقال: ما هذه الإدواة؟ قلت: فيها نبيذ، قال: تمرة طيبة وماء طهور، فتوضأ وأقام الصلاة، فلما قضى الصلاة قام إليه رجلان من الجن فسألاه المتاع
فقال: ألم آمر لكما ولقومكما بما يصلحكما؟ قالا: بلى، ولكن أحببنا أن يشهد بعضنا معك الصلاة، فقال: ممن أنتما؟ قالا: من أهل نصيبين، فقال: أفلح هذان وأفلح قومهما، وأمر لهما بالروث والعَظْم طعامًا ولحماً، ونهى النبي صلى اللّٰه عليه وسلم أن يستنجى بعظم أو روثة“. وذكر ابن سعد أن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم لم يشعر بالجن وهم يستمعون له يقرأ حتى نزلت عليه: {وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ…} [الأحقاف: 29] الآية.
قصة أعشى بني قيس
وروينا عن ابن هشام، قال: حدثني خلاد بن قرة بن خالد السدوسي وغيره من مشايخ بكر بن وائل من أهل العلم: أن أعشى بني قيس بن ثعلبة خرج إلى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم يريد الإسلام، فقال يمدح رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم:
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا … وبت كما بات السليم مسهدا
ألا أيها ذا السائلي أين يممت … فإن لها في أهل يثرب موعدا
وآليت لا آوي لها من كلالة … ولا من حفا حتى تلاقي محمدا
متى ما تُناخي عند باب ابن هاشم … تراخى وتلقى من فواضله ندى
نبًيّا يرى ما لا يرون وذكره … أغار لعمري في البلاد وأنجدا
له صدقات ما تغب ونائل … وليس عطاء اليوم مانعه غدا
أجدك لم تسمع وصاة محمد … نبي الإله حين أوصى وأشهدا
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى … ولاقيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله … فترصد للموت الذي كان أرصدا
فلما كان بمكة أو قريبًا منها اعترضه بعض المشركين من قريش، فسأله عن أمره، فأخبره أنه جاء يريد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم يسلم فقال له: يا أبا بصير، فإنه يُحرَِّم الزنا، فقال الأعشى. واللّٰه إن ذلك لأمر ما لي فيه من أرب، فقال: يا أبا بصير، فإنه يحرم الخمر، قال الأعشى: أما هذه فو اللّٰه إن في النفس لعُلاَلات منها، ولكني منصرف فأرتوي منها عامي هذا ثم آتيه فأسلم، فانصرف فمات في عامه ذلك، ولم يعد إلى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم. وقوله: (فلما كان بمكة) وَهْمٌ ظاهر؛ لأن تحريم الخمر إنما كان بعد أُحُد وفي الأبيات:
(فإن لها في أهل يثرب موعدا)
وهو أيضا مما يبين ذلك واللّٰه أعلم.